القوة القاهرة بين التشريع والقضاء المغربي والمقارن


بقلم الباحثين بماستر القانون المدني بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر أكادير:
- عبد الحكيم حجامي
- مصطفى هرندو
- خالد كيثا









مـقـدمـة:


تنبني المسؤولية المدنية، بشقيها العقدي والتقصيري، على فكرة تحمل الطرف المسؤول تبعة الخطأ الصادر عنه، عن طريق أدائه لفائدة الطرف المتضرر تعويضا عادلا يتم تقييمه عن طريق مراجعة القضاء المختص. ويشترط لقيام المسؤولية المدنية، سواء كانت عقدية أو تقصيرية، توافر شروط أساسية تتجلى في صدور خطأ من الطرف المسؤول، إلى جانب حصول ضرر للطرف المتضرر أو المطالب بالحق المدني، دون أن ننسى قيام علاقة سببية تربط بشكل منطقي بين هذا الخطأ والضرر الناتج، حيث يثبت آنذاك أن هذا الضرر ما كان ليحدث لولا وجود هذا الخطأ.
وتهدف قواعد المسؤولية المدنية إلى حماية الأفراد وتوفير الأمن لهم من خلال حماية العلاقات التي تربط بينهم أيا كانت مصادر هذه العلاقات، وذلك عن طرق إلزام الطرف المخطئ بجبر الضرر الحاصل منه للغير انطلاقا من تكليفه بأداء التعويضات.
لكن أحيانا يحدث أن يتواجد الأطراف، وخصوصا المتسببون في ضرر للغير، في حالات تجعلهم في أوضاع لا يمكنهم معها تفادي حدوث هذه الأضرار، كما قد تتواجد حالات أخرى تحدث فيها أضرار للأفراد من دون أن يكون من المُستساغ تحميل أحد تبعتها، ومن هنا ظهرت نظرية القوة القاهرة.
وقد نظم المشرع المغربي القوة القاهرة بشكل عام في الفصلين 268 و 269 من قانون الالتزامات والعقود، بالنسبة للمسؤولية العقدية، والفصل 95 من نفس القانون بالنسبة للمسؤولية التقصيرية، كما أنه أشار إلى بعض الآثار الخاصة التي ترتبها القوة القاهرة في نصوص عديدة من قوانين مختلفة.
وتفيد دراسة نظرية القوة القاهرة في معرفة حدود التأثير الذي تُحدثه على قيام المسؤولية المدنية، بُغية التوفيق بين مصالح الطرف المتسبب في الخطأ والطرف المتضرر ضحية هذا الخطأ، وكذلك في توخي إنتاج أحكام وقرارات قضائية عادلة بين الأطراف المتخاصمة.


وباعتبار القوة القاهرة "نظرية"، فإننا من خلال هذه الدراسة سنحاول الإحاطة بمجموع المواضيع المتعلقة بها: انطلاقا من مفهومها وشروطها وأساسها وصولا إلى نتائجها وآثارها، وذلك من خلال النصوص القانونية والاجتهادات الفقهية ثم الاجتهادات القضائية في كل من التجربة القانونية المغربية وبعض التجارب المقارنة،وبالتالي فمنهجنا في هذه الدراسة هو منهج تحليلي مقارن،نقارب به الموضوع وفق التصميم التالي:

المبحث الأول: الأحكام العامة للقوة القاهرة.
المبحث الثاني: آثار القوة القاهرة وإثباتها.



المبحث الأول : الأحكام العامة للقوة القاهرة:



إن الحديث عن الأحكام العامة للقوة القاهرة يقتضي منا الخوض في مفهومها وأساسها القانوني في مطلب أول، على أن نخصص المطلب الثاني للحديث عن الشروط الأساسية لقيامها.

المطلب الأول: مفهوم القوة القاهرة وأساسها القانوني:


سوف نعالج في الفقرة الأولى من هذا المطلب للخوض في المفاهيم المختلفة التي أعطيت للقوة القاهرة سواء على مستوى التشريع أو القضاء أو الفقه، بينما سنحاول في الفقرة الثانية رسم الحدود التي تفصل القوة القاهرة عن بعض المصطلحات التي تتداخل معها، على أن نعالج في الفقرة الثالثة أساسها القانوني.

الفقرة الأولى : مفهوم القوة القاهرة:


لابد، للوصول إلى مفهوم عام وشامل للقوة القاهرة، من الإطلاع على كل المفاهيم التي أنتجها التشريع من جهة أولى، ثم الاجتهاد الفقهي من جهة ثانية، وكذلك الاجتهاد القضائي من جهة ثالثة.

" أولا: مفهوم القوة القاهرة في التشريع: "


بالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن المشرع وضع نصين تشريعيين يشكلان الإطار العام لمفهوم القوة القاهرة ضمن ظهير الالتزامات والعقود، ويتعلق الأمر بالفصلين 268 و269 من ق.ل.ع، فبعدما أسقط المشرع الحق في التعويض بسبب تحقق القوة القاهرة و حدد آثارها بموجب الفصل 268 ،عمد في الفصل الموالي لتعريف القوة القاهرة إذ جاء فيه :
"القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه (كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف؛ والعواصف والحرائق والجراد)وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه ما لم يقم الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين".
فمن خلال مقتضيات هذا النص يمكن أن نخلص إلى أن المشرع المغربي يعتبر أن القوة القاهرة متحققة كلما حدث أمر لم يكن في الحسبان،أي ضرورة توفر عنصر المباغتة و الفجأة، إضافة إلى عنصر العجز عن دفع هذا الحادث زيادة على شرط استقلال هذا الأمر عن إرادة المدين،فلا تكون له يد في حدوثه.
ويلاحظ أن هذا التعريف الذي جاء به المشرع المغربي لا يختلف كثيرا عن التعريف الذي نادى به الفقيه الروماني ulpien، حيث عرف القوة القاهرة بأنها: " كل ما لم يكن في وسع الإدراك الآدمي أن يتوقعه، وإذا أمكن توقعه فإنه لا يمكن مقاومته"[1]
أما إذا عدنا إلى القانون الفرنسي فإن المشرع الفرنسي لم يوضح المقصود من القوة القاهرة و إنما اكتفى بتحديد آثارها فقط، فبالوقوف على مقتضيات الفصل 1148 من القانون المدن الفرنسي نجده ينفي الحق في التعويض إذا اثبت المدين أنه منع من القيام بما التزم به...[2] كما أن الفصول الأخرى التي تعرضت لنظرية القوة القاهرة إنما تناولته بشكل عرضي إما كأثر،أو كعامل مسقط للمسؤولية العقدية [3].
ونفس الشيء يلاحظ بالنسبة للقانون المدني المصري، حيث لم يعرف هو الآخر القوة القاهرة مكتفيا بالإشارة إليها كسبب أجنبي يعفي من المسؤولية فيما نص عليه الفصل 165 من القانون المني.

" ثانيا: مفهوم القوة القاهرة في الفقه القانوني "



لقد أشار الفقه بدوره إلى مجموعة من التعاريف بخصوص القوة القاهرة، ونشير في هذا المقام إلى بعض منها:
فقد عرفها ستارك بأنها (أي القوة القاهرة) تتكون من كل واقعة غير متوقعة ومستحيلة[4].
في حين يعرفها "دوموك" باستحالة التنفيذ الناتجة عن واقعة غير متوقعة الحدوث من غير أن يساهم فيها خطأ المدين.[5]
أما "الأخوان مازو" فيعتبران القوة القاهرة هي الحادث الفجائي غير المتوقع الذي يستحيل دفعه.[6]
والملاحظ على هذه التعريفات أنها لا تشير إلى الشروط [7] الأساسية لقيام القوة القاهرة مجتمعة، في حين حاول البعض الآخر صياغة تعريفات جامعة، نذكر منها على الخصوص:
القوة القاهرة هي "الواقعة التي تنشأ باستقلال عن إرادة المدين ولا يكون باستطاعته توقعها أو منع حدوثها ويترتب عليها أن يستحيل عليه مطلقا الوفاء بالتزامه.[8]
ونضيف تعريفا آخر،
وهو أن القوة القاهرة هي الحدث الذي لا يمكن توقعه ولا مقاومته، والذي ينتج عن قوة أجنبية، مثل العاصفة والصاعقة والزلزال والحرب وقرار السلطة أو فعل الأمير والإضراب[9].

" ثالثا: القوة القاهرة في الفقه الإسلامي "


بالنسبة للفقه الإسلامي، فإن الفقهاء المسلمون استعملوا الآفة السماوية للدلالة على النازلة أو الأمر غير المتوقع حصوله والذي لا يمكن تلافيه كالأمطار الغزيرة والزلازل والصاعقة، وهي مرادفة للقوة القاهرة،[10] ومن أمثلتها ما ذكره الحنفية: " لو وضع أحد جمرة على طريق، فهبت بها الريح، وأزالتها عن مكانها، فأحرقت شيئا لا يضمن الواضع، وكذا لو وضع حجرا في الطريق، فجاء السيل، ودحرجه، فكسر شيئا: لا يضمن الواضع؛ لأن جنايته زالت بالماء والريح"[11] والمشرع الأردني يستعمل مصطلح الآفة السماوية تأثرا منه بالفقه الإسلامي.[12]

" رابعا: مفهوم القوة القاهرة على ضوء القضاء "



على مستوى القضاء المغربي، فإنه يعتبر القوة القاهرة هي كل حدث لا يستطيع الإنسان توقعه ولا رده طبقا للفصل 269 من ق ل ع، والكساد في الحركة التجارية لا يعتبر قوة قاهرة[13].
وجاء في قرار حديث للمحكمة الإدارية بالرباط: إن الأمطار الغزيرة والاستثنائية المسببة للفيضان لا تشكل قوة قاهرة، وإنما قرينة على ترتيب المسؤولية لكون وقوعها في فصل الشتاء من الأمور المتوقعة وليست قوة قاهرة أو سببا أجنبيا للإعفاء من المسؤولية، مما يعطي للقوة القاهرة في حقل القانون والقضاء الإداري مفهوما متميزا وخاصا يتلاءم وطبيعة روابط القانون العام تتحمل آثاره الدولة عن – بخلاف – القانون المدني الذي يتحمله المدين[14].
ويذهب المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا)، إلى أن القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا، ولا يعتبر المرض من القوة القاهرة، ويجب إعلام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالتوقف عن العمل خلال 15 يوما الموالية للتوقف[15].
وبالرجوع للقضاء المقارن فإن محكمة النقض الفرنسية قد أشارت إلى أن القوة القاهرة (أو الحادث الفجائي) هي كل حادث لا شأن لإرادة المدين فيه، ولم يمكن توقعه ولا منعه، ويصبح به تنفيذ الالتزام مستحيلا.[16]
أما القضاء المصري، فلم يبتعد كثيرا عما سار عليه نظيره الفرنسي، إذ جاء في أحد قراراته: إذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه رفض دعوى الطاعنة على أن الضرر قد نشأ عن قوة قاهرة أو عن خطأ قائد سيارة النقل، في حين أنه يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة عدم إمكان توقعه واستحالة دفعه أو التحرر منه، ولما كان سقوط الأمطار وآثارها على الطريق الترابي في الظروف والملابسات الذي أدى إلى وقوع الحادث في الدعوى الماثلة، من الأمور المألوفة التي يمكن توقعها ولا يستحيل على قائد السيارة المتبصر التحرز منها، وكان الخطأ المنسوب لفائدة سيارة النقل قد انتفى بحكم جنائي قضى ببراءته، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعوى الطاعنة – المضرور- بقوله أن الحادث وقع بسبب أجنبي لا يد لفائدة الأتوبيس، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون...[17]
وجاء في نقض آخر: إن مخاطر البحر وإن كانت تصلح في ذاتها سببا للإعفاء من المسؤولية ولو كانت متوقعة الحدوث أو يمكن دفعها، إلا أن هذه المخاطر إذا بلغت من الشدة مدى يجعلها غير متوقعة الحدوث أو غير مستطاع دفعها فإنها تعد من قبيل القوة القاهرة التي تصل سببا قانونيا للإعفاء[18].
وتبعا لذلك يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة وحسب ما جرى به قضاء هذه المحكمة عدم إمكان توقعه واستحالة رده، فإذا تخلف أحد العنصرين انتفت تبعا لذلك القوة القاهرة.

الفقرة الثانية : تمييز القوة القاهرة عن بعض النظم المشابهة


قد يتداخل مفهوم القوة القاهرة مع بعض المفاهيم المقاربة له، مما قد يسبب بعض اللبس، وهو ما سنحاول استجلاءه في هذه الفقرة عند تمييزنا للقوة القاهرة مع كل من الحادث الفجائي والظروف الطارئة ثم حالة الضرورة.

" أولا: القوة القاهرة والحادث الفجائي "


اختلفت آراء الفقهاء حول وجود فرق بين القوة القاهرة والحادث الفجائي،بين قائل بوجوده وآخر منكر لذلك معتبرا أن كلاهما مترادفان.
فحسب الاتجاه الأول الذي يرى باختلاف القوة القاهرة عن الحادث الفجائي يستند إلى ما يلي :
القوة القاهرة هي الحادث الذي يستحيل دفعه في حين أن الحادث الفجائي هو ما لا يمكن توقعه،إذ ينفي - هذا الجانب من الفقه - توفر أحد العنصرين دون استجماعهما لنكون أمام القوة القاهرة إذا استحال الدفع،ونكون بصدد حادث فجائي إذا لم يكن ممكنا توقعه.[19][20]
والحاصل أن هذه الحجة واهية وضعيفة إذ لقيام القوة القاهرة لابد من استجماع عنصرين معا دون أحدهما طبقا للفصل 269 ق.ل.ع، مع ضرورة التمييز في إطار العنصر الثاني المتعلق باستحالة الدفع،بين ما إذا كانت الاستحالة مطلقة فنكون حينها بصدد قوة قاهرة، وبين الحالة التي تكون فيها هذه الاستحالة نسبية،إذ نكون أمام حادث فجائي وقتئذ.
وهذا الدليل كذلك منتقد لأن الاستحالة يجب أن تكون مطلقة سواء في الحادث الفجائي أو القوة القاهرة[21] على فرضية التمييز بينهما.
القوة القاهرة والحادث الفجائي حادثان مستحيلا الدفع غير ممكني الوقوع،لكن القوة القاهرة ذات مصدر خارجي عن الشيء الذي تتحقق به المسؤولية كالعواصف والزلازل،أما الحادث الفجائي فهو ذو مصدر داخلي ينجم عن الشيء ذاته كانفجار هذا الشيء نفسه أو عطله،ويترتب على ذلك أن القوة القاهرة وحدها هي التي تمنع من تحقق المسؤولية،أما الحادث الفجائي فلا يمنع من قيامها وتحميلها للمدين.
ويقيم البعض آخر التمييز بينهما على أساس أن القوة القاهرة هي ما كانت مستحيلة الدفع بالنسبة للكافة،في حين أن الحادث الفجائي هو ما كان مستحيل الدفع بالنسبة للبعض دون الآخرين.[22]
والحاصل أن هذه الاتجاهات أصبحت منتقدة في ظل الفقه والتشريع الحديثين معا،أما الأول فيذهب إلى اعتبار أن الحادث الفجائي هو مرادف للقوة القاهرة،وأن الأمر لا يتعلق بتمييز بينهما،إذ المسألة لا تعدو أن تكون إطلاق اسمين على مسمى واحد،ولو أن بعض التشريعات تستعمل عبارة " أو " في معرض حديثها عن " القوة القاهرة أو الحادث الفجائي " وحقيقة الأمر أن المسألة تتعلق بعطف لا بتخيير على النحو التالي " القوة القاهرة والحادث الفجائي ".في حين أن الثاني –التشريع- كما هو حال المشرع المصري، فقد حاول تلافي هذا الإشكال بتوظيفه لعبارة السبب الأجنبي.[23]
ونرجح هذا الاتجاه الأخير لأنه في تقديرنا الخاص،أن الحقل القانوني هو مجال ضبط المصطلحات بامتياز،وإذا ما سلمنا بالرأي الأول فإن أهمية التمييز بين المصطلحين تنمحي وتزول ‘ذا علمنا أن الآثار هي نفسها واحدة، وما يعضد هذا الرأي ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية باعتبارها أن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مصطلحين يدلان من الناحية القانونية على مفهوم واحد.[24]

" ثانيا : القوة القاهرة والظروف الطارئة "



نظرية الظروف الطارئة تتمثل في تواجد المتعاقد المدين في ظروف اقتصادية غالبا ما توصف بالصعبة،تجعل تنفيذ الالتزام العقدي ن طرف المدين لا يتم إلا مقابل خسارة جد فادحة لا يمكن رفعها عنه إلا بمراجعة القضاء،[25] وينحصر نطاقها في المجال التعاقدي أي المسؤولية العقدية دون التقصيرية.
إذا فالقوة القاهرة والظروف الطارئة يلتقيان في شرطي عدم التوقع واستحالة الدفع،غير أنهما يختلفان في كون الأولى تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا بينما الثانية تجعله مرهقا فقط.

" ثالثا: القوة القاهرة وحالة الضرورة "


تعني حالة الضرورة الحالة التي يجد فيها الشخص نفسه مضطرا من أجل دفع خطر جسيم إتيان فعل ينتج عنه ضرر أقل جسامة أو مساو للذي كان سيقع لولا تدخله،ويرى الاتجاه الغالب في الفقه والقضاء المعاصرين أن حالة الضرورة سبب من أسباب انتفاء ركن الخطأ ولو بصورة نسبية[26]، وقد تبنى المشرع المصري هذا الموقف في قانونه المدني في المادة 168[27]،أما المشرع المغربي فلم ينظمها في قانون الالتزامات والعقود، لكن ذلك لا يعني استبعادها، فهي وإن ليست سببا للإعفاء من المسؤولية فإنها على الأقل تعتبر سببا للتخفيف منها.[28] وهنا يكمن الاختلاف بينها وبين القوة القاهرة نكون فيها أمام استحالة مطلقة ومن دون مسؤولية ولا تعويض على خلاف حالة الضرورة التي تخفف من حجم المسؤولية مع بقاء الحق في التعويض،كما تختلفان في كون حالة الضرورة لا نكون بددها إلا عندما يكون المضطر أمام ضرورة ارتكاب أحد ضررين، لعجزه عن تفاديهما مع،فيقوم بارتكاب أخفهما،وهذا احد الشروط الضرورية لقيام حالة الضرورة، أما القوة القاهرة فتكون ذات مصدر خارجي عن المسؤول، ولا يكون له أي دخل في إثارته.
وقد نظم المشرع المغربي حالة الضرورة هذه في القانون الجنائي في الفصل 124 من القانون الجنائبي وجعلها من حالات الاباحة والتبرير كلما توفرت شروطها.

الفقرة الثالثة: الأساس القانوني للقوة القاهرة


إن قيام عناصر القوة القاهرة يجعلها مستجمعة لشروطها ويعفي المدين من المسؤولية المدنية عموما، غير أن الفقه غير جمع حول الأساس الذي تبني عليه هذه القوة القاهرة بين قائل بفكرة انتفاء الخطأ (أولا)، وآخر يجعل من انتفاء السببية أساسا للقوة القاهرة (ثانيا).

" أولا: نظرية انتفاء الخطأ "


يبحث هذا الاتجاه الفقهي في عناصر المسؤولية لتبرير القوة القاهرة وأساس اعتبارها سببا معفيا من المسائلة،ولما كانت عناصر المسؤولية المدنية والضرر والعلاقة السببية الناشئة بينهما،فإذا استحال تنفيذ الالتزام على المدين بفعل قوة قاهرة من غير أن يكون له يد في استحالة التنفيذ بفعله أو خطئه،كان غير مسؤول لأنه لم يرتكب أي خطأ أصلا يستتبع بعد ذلك قيام ضرر بفعل علاقة سببية رابطة بينهما.
والملاحظ أن هذا الرأي تعرض لانتقاد لاذع مفاده أنه لا تلازم بين الخطأ والقوة القاهرة،إذ يمكن أن يوجد أحدهما دون الآخر ويمثل جانب من الفقه الفرنسي لذلك بدفع مسؤولية حارس الأشياء،إذ لا يمكنه مطلقا التملص من مسؤوليته على أساس عدم ارتكابه أي خطأ ،ومع ذلك يمكنه دفعها وذلك إذا ما اثبت أن الضرر الذي لحق المضرور كان نتيجة قوة قاهرة أو حادث فجائي.[29]

" ثانيا : نظرية انتفاء السببية "


يؤسِس هذا الاتجاه الفقهي كذلك للقوة القاهرة انطلاقا من أركان المسؤولية المدنية،غير أنه يعتمد على ركن الإسناد أو العلاقة السببية بذل فكرة الخطأ،إذ أن القوة القاهرة تهدم العلاقة السببية بين الضرر الذي لحق الدائن المضرور وبين العمل المباشر للمدين فلا تقوم المسؤولية أصلا، ومن ثمة فإن هذا الاتجاه يجعل القوة القاهرة لا تنفي الخطأ وإنما تهدم العلاقة السببية.[30]

المطلب الثاني: شروط القوة القاهرة



لابد لتحقق القوة القاهرة من أن تتوفر في الواقعة مجموعة من الشروط حددها المشرع بمقتضى الفصل 269 من ق. ل.ع، واستفاض الفقه في تحليلها وتفسير مغزاها.

الفقرة الأولى: أن يكون الحادث غيرممكن توقعه


إن التفصيل في هذا الشرط، يقتضي منا أن نخوض في مفهوم عدم التوقع، وكذلك المعيار الذي نادى به الفقه للقول بوجوده.

" أولا: مفهوم عدم التوقع "


يشترط في الحادث حتى يعتبر قوة قاهرة وبالتالي يعفي من المسؤولية،أن يكون غير متوقع،ولا يخطر في الحسبان حصول مثله عند وقوع الفعل الضار[31]،أي أن يكون حادثا ناذر الوقوع كالفيضانات والزلازل مثلا،فإذا كان المدعى عليه يتوقع حدوث الحادث فلن يعفى من المسائلة [32].
ولا يكون الحادث ممكن التوقع لمجرد أنه سبق وقوعه فيما مضى، فقد يقع حادث في الماضي، ويبقى مع ذلك غير متوقع في المستقبل،إذا كان ناذر الحدوث، بحيث لا يقوم سبب خاص لتوقع حدوثه[33].
فلا يعتبر قوة قاهرة ما كان يمكن توقعه من إجراءات تشريعية كمنع تصدير سلعة،ولا ما يصح في حدود المألوف[34] وقوعه كالمطر في فصل الشتاء،و إنما يعتبر قوة قاهرة ما لا يمكن في حدود المألوف توقعه كالفيضان الشاذ في نهر معد للملاحة [35].
وفي هذا الاتجاه جاء قرار للغرفة التجارية التابعة لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، والذي جاء فيه : "إن إبحار السفينة في فصل الشتاء يكون من المتوقع معه وجود هيجان في البحر مما ينفي عن الحادثة صفة القوة القاهرة ".[36]
وجاء في قرار آخر صادر عن المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء : "إن العاصفة بلغت قوتها عشر درجات،وقعت في شهر دجنبر ،وهي فترة تكثر فيها الزوابع البحرية التي تعترض طريق السفن لا يمكن أن تكون غير متوقعة من طرف الربان..."[37]
لكن ما هو المعيار الذي يمكن الاستناد عليه لتحديد ما إذا كان حادث ما متوقعا أم لا؟ جواب هذا السؤال سيكون موضوع النقطة الموالية :

" ثانيا: معيار عدم التوقع "



يتفق أغلب الفقه[38] على أن معيار عدم التوقع هو معيار موضوعي،يعتمد تقديره على مقياس الرجل العادي الحريص [39]وليس "الرجل شديد الفطنة والذكاء"[40].
وبالتالي فلا يكفي أن يكون الفعل أو الواقعة المكونة للقوة القاهرة مما يمكن لمدين بالذات أن يتوقعه أو أن يتلافاه،وإنما يجب أن يكون عدم التوقع هذا قائما بالنسبة لأي مدين كان؛متى وجد في نفس الظروف التي يوجد فيها المدعى عليه[41]،مع مراعاة الظروف العامة والخارجية التي تخص شخصية المدين وليس الداخلية أو الخاصة به[42].
وعليه فإن شرط عدم التوقع يجب أن يستند إلى معيار موضوعي مع الأخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالعقد والتي نشأ في ظلها،إذا تعلق الأمر بمسِؤولية عقدية، وتلك التي حصل فيها الفعل أو الحادث إذا تعلق الأمر بمسؤولية تقصيرية.
فقد تكون هنالك أحداث ممكنة التوقع في فترة زمنية معينة أو في مكان معين لكن لن تكون كذلك في المستقبل أو في جهة أخرى،كما قد لا يكون الحادث متوقعا ولكن توجد عناصر جدية أخرى ترتبط بالزمان أو بالمكان أو بالشخص المتعاقد أو نشاطه المهني توحي بتوقعه [43].

الفقرة الثانية : استحالة دفع الضرر الناشئ عن القوة القاهرة


إن التفصيل في هذا الشرط كذلك، يقتضي منا أن نبحث عن مفهوم عدم القدرة على الدفع، وكذلك المعيار الذي نادى به الفقه للقول بوجوده.

" أولا: مفهوم عدم القدرة على الدفع "


ليكون الحادث قوة قاهرة معفيا منن المسؤولية،لابد أن يكون –زيادة على شرط عدم التوقع- مستحيل الدفع والمقاومة،أي لا يكون في طاقة المدين دفع وقوعه ولا تلافيه، ولا التغلب على نتائج الحادث عقب وقوعه، فلا يستطيع المدين التخلص من تلك النتائج [44]؛وبالتالي يجعل تنفي الالتزام مستحيلا،ويشترط في تلك الاستحالة أن تكون مطلقة، فلا تكون استحالة بالنسبة إلى المدين وحده،بل استحالة بالنسبة إلى أي شخص يكون في موقف المدين.[45]
فإذا كان بإمكان المدين تفادي تأثير الواقعة على تنفيذ الالتزام التعاقدي وذلك ببذله بعض الجهد والمشقة،فإن القوة القاهرة لا تقوم من الناحية القانونية حتى ولو كانت تلك الواقعة مما لا يستطيع المدين العادي توقعه سواء أثناء إبرام العقد أو بعده أو وقت تنفيذه [46]؛وهذا ما قضت به المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء،حيث اعتبرت أنه :
"لا يمكن أن توصف القوة القاهرة سوى الأفعال التي تجعل تنفيذ الاتفاقية مستحيلا دون الأحداث التي تجعل تنفيذها صعبا ".[47]
وفي نفس الاتجاه سارت محكمة الاستئناف بالرباط في أحد قراراتها، والذي جاء فيه:
"هيجان البحر بسبب رداءة الطقس لا يشكل القوة القاهرة التي تسمح لربان الباخرة بالتمسك بعدم مسؤوليته عن الأضرار التي أصابت البضاعة المشحونة على ظهر الباخرة،لأن هيجان البحر مما يمكن التغلب عليه والحيلولة دون وقوع الأضرار الحاصلة بسببه.[48]
وقد تبنى المشرع المغربي شرط استحالة الدفع بموجب الفقرة الثانية من الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود.[49]
بقي أن نشير إلى أنه لا يشترط هنا أن تكون الاستحالة مادية، بل يمكن أن تكون أيضا معنوية.[50]

" ثانيا: معيار استحالة الدفع "


بخلاف ما مر معنا بخصوص معيار التوقع-حيث اتفق أغلب الفقه على معيار واحد هو معيار الشخص العادي الحريص- اختلف الفقهاء حول المعيار الواجب الإتباع فيما يخص شرط استحالة الدفع.
هكذا نجد فريقا منهم يدعو إلى تبني معيار شخصي قائم على الأخذ بعين الاعتبار الظروف الشخصية لكل من وجد في موقف المدعى عليه.
وفريق آخر من الفقهاء أكد على وجوب تطبيق معيار موضوعي محض،أي يجب ان تكون عدم القدرة على الدفع مطلقة،لا نسبية تقتصر على شخص المدعى عليه وحده،وإنما يجب أن تطال هذه الاستحالة كل شخص وجد في نفس الظروف في تبريره لموقفه على مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 269 من ق ل ع ،حيث يعتبر أن اشتراط المشرع إقامة الدليل من قبل المدين ببذل كل العناية اشتراط يعني إثبات بذل العناية التي تتلاءم مع الشخص المعتاد من نفس الفئة التي ينتمي إليها المدين.[51]
غير أننا نعتقد أن اعتماد أي نمن المعيارين السالفين-كما ذهب إلى ذلك بعض الفقه[52]- فيه ظلم بين :
فالمعيار الأول يجعلنا أمام حلول متعددة،فظروف عمر ليست هي نفسها ظروف زيد،فما قد يستحيل دفعه بالنسبة لعمرو قد يكون هين الدفع بالنسبة لزيد.
أما المعيار الثاني-المعيار الموضوعي- فيترتب عليه عمليا إسقاط جميع الظروف الخاصة بالمدين والتي يكون لها دور في تلك الاستحالة.
لهذه الأسباب نادى بعض الفقهاء بتطبيق معيار وسط هو معيار الشخص العادي؛ فما يعجز عن دفعه الشخص العادي الذي ينتمي إلى أواسط الناس يعتبر مستحيلا.
ونحن بدورنا نميل إلى هذا المعيار الوسط باعتباره يجمع بين المعيار الموضوعي والشخصي، وينبني على ضوابط ثابتة،غير مرتبطة لا بشخص المدين ولا بالظروف المحيطة بالحادث فقط،وإنما يجمع بين كل ذلك.
أما بخصوص موقف المشرع المغربي،فإن الفقيه محمد الكشبور اعتبر أنه أخذ بمعيار الشخص العادي؛حيث قال :
"الظاهر أن المشرع المغربي قد أخذ بدوره بهذا الحل الوسط،فقد قرر من جهة أولى أنه لا يعد من قبيل القوة القاهرة كلما كان باستطاعة المدين دفعه،وقد قرر من جهة ثانية : ما لم يقم الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه ".[53]

الفقرة الثالثة : ألا يكون للمدين دخل في إثارة القوة القاهرة


لا يمكن للمدين الذي ثبت تورطه في إثارة القوة القاهرة،سواء بفعله أو مشاركته أو مساهمته،أن يتمتع بمقتضيات الفصل 268 من ق.ل.ع وبالتالي يجب ألا تكون لإرادة المدين أي دخل في وقوع الحادث،وفي هذا الإطار اعتبرت محكمة النقض الفرنسية في أحد قراراتها أن الواقعة التي من المفروض أن تكون قوة قاهرة يجب أن تكون أجنبية عن المدين عن كل الأشخاص الذين يسأل قانونيا عنهم من الناحية المدنية في إطار مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه،وأن محكمة النقض تسهر على حسن تطبيق هذا الشرط.[54]
وقد نص المشرع المغربي صراحة على هذا الشرط من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 269 من ق.ل.ع التي جاء فيها :
"...وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين."
ورغم هذا التنصيص الصريح إلا أن هذا الشرط يبقى من المبادئ العامة المفترضة،على اعتبار أن الشخص لا يمكنه أن يستفيد من الخطأ الصادر عنه[55]،أو أن يصنع دليل إعفاء لنفسه.
فمن غادر محل إقامته وترك مفتاح الدولاب فيه‘حيث كانت السندات المسروقة موجودة في حراسة خادم صغير،فإنه يكون قد أخطأ أو على الأقل أهمل إهمالا لا يبعد فكرة الحادث القهري عن النظر.
ومن التطبيقات الخاصة في المجال التعاقدي لهذا الشرط ما نص عليه الفصل 266 من ق.ل.ع :
"المدين الموجود في حالة مطل يكون مسؤولا عن الحادث الفجائي.."

الفقرة الرابعة: شرط الخارجية


من بين الشروط التي ينادي بها بعض الفقه، وتبناها القضاء الأجنبي، ضرورة أن تكون القوة القاهرة ذات مصدر أجنبي خارجي عن المدين.
ويعد هذا العنصر – عنصر الخارجية – من بين أبرز العناصر التي عرفت جدلا فقهيا حول مدى أهميته، فالفقيه "روديير" يرى أن عنصر الخارجية لا يعد شرطا من شروط القوة القاهرة.[56] أما الفقيه "تانك" فيرى أن هذا العنصر يعد أبرز وأوضح شرط بالنسبة إليها. كما ترى الأستاذة "فيني" إلى أن اصطلاح السبب الأجنبي يحتوي في حد ذاته على معنى الخارجية إضافة إلى كونه عنصرا لازما لتكييف الحدث بأنه قوة قاهرة، فهو مفروض بمقتضى المضمون لهذه القوة القاهرة.[57]
أما بالنسبة للقضاء الفرنسي، فإنه يميل إلى اعتبار هذا الشرط، سواء تعلق الأمر بالمسؤولية التقصيرية أو العقدية. وهو ما يستفاد من عديد الاجتهادات الصادرة عن القضاء الفرنسي، منها ما جاء في أحد قرارات محكمة النقض سنة 1896، حيث اعتبرت أن العيب الخفي في الشيء. والذي كان سببا في إحداث الضرر لا يعتبر أمرا معفيا من المسؤولية المدنية، ما دام أنه داخلي وليس خارجيا عن الشيء محل الحراسة، وبالتالي من محيط الحارس[58].
وفي مجال المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، أصبح القضاء يتطلب ضرورة توفر عنصر الخارجية بالنسبة للأشخاص الذين يسأل عنهم المدعى عليه، حيث يجب أن يكون السبب الذي أحدث الضرر خارجيا عنه[59].
وقد سار الفقه والقضاء المصريين على نهج نظيريهما الفرنسيين، حيث أكد على ضرورة توفر عنصر الخارجية حتى تقوم القوة القاهرة، وهذا الحكم يستفاد من خلال المقتضيات التشريعية التي تقضي بأن الإعفاء من المسؤولية المدنية عموما، يجب أن يكون بسبب أجنبي لا يد للمدين فيه[60].
غير أننا نعتقد – كما أكد على ذلك الفقيه محمد الكشبور[61] – أن شرط الخارجية لا يعدو أن يكون ترديد للشروط التشريعية التي ذكرناها سالفا، وبالتالي فإن توفر تلك الشروط الثلاثة يكفي لقيام القوة القاهرة كسبب معفي من المسؤولية، وهو ما دفع اغلب المراجع الفقهية لتجاهله ما دام أن ما ضمن بالفصل 269 من ق ل ع يُغني عنه من الناحية القانونية.


المبحث الثاني: آثار القوة القاهرة وإثباتها


إن قيام القوة القاهرة عن طريق توفر شروطها التي سبق ذكرها، ينتج عنه آثار مهمة (مطلب أول)، ولابد هنا من الإشارة إلى مسألة الطرف الملقى عليه عبئ إثباتها (مطلب ثاني).

المطلب الأول : آثار القوة القاهرة على المسؤولية المدنية


نظم المشرع المغربي آثار القوة القاهرة على الالتزام التعاقدي بمقتضى الفصل268 من ق.ل.ع (الفقرة الأولى)،وآثارها بالنسبة للالتزام التقصيري بموجب الفصل 95 من ق.ل. (الفقرة الثانية).

" الفقرة الأولى:آثار القوة القاهرة في إطار المسؤولية العقدية "


بعد تحقق القوة القاهرة مستجمعة لكافة شروطها،تترتب عنها مجموعة من الآثار تنسحب إلى الالتزام التعاقدي،حيث تجعله مستحيل التنفيذ (أولا)هذه الاستحالة رتب عليها القانون آثارا مهمة أهمها إعفاء المدين الذي استحال عليه تنفيذ الالتزام من المسؤولية (ثانيا).

" أولا : استحالة تنفيذ الالتزام "


يترتب عن تحقق واقعة القوة القاهرة أن يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلا [62]، ونميز من داخل هذه الأثر بين الاستحالة المطلقة والاستحالة الجزئية.

1) الاستحالة المطلقة


إذا استحال على المدين في التزام تعاقدي تنفيذ التزامه لسبب خارج عن إرادته يعزى إلى قوة قاهرة،فإن ذلك يشفع له في التحلل من مسؤوليته العقدية، ويشترط في هذه الاستحالة أن تكون مطلقة[63].
وتطبيقا لهذا المقتضى،صدر قرار عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) جاء فيه :
"...تكون المحكمة قد عللت قضاءها بما فيه الكفاية حين صرحت بأن النقصان الواقع في المحصول الفلاحي راجع إلى حالة الجفاف التي أصابت السنة الفلاحية وأن هذا السبب الأجنبي الذي لم يكن في الوسع دفعه ولا توقعه يكون قوة قاهرة تعفي من تنفيذ الإلتزام بتمامه.."[64]
هكذا فإن عدم قدرة المدين على الوفاء بالتزام ناتج عن علاقة تعاقدية بسبب قوة قاهرة،ينتج عنه تحلل الملتزم من جميع الالتزام،إذا كانت الاستحالة مطلقة،فلا حق للدائن في أن يجبره على التنفيذ ولو ببذل.
وتفريعا على هذا فإن هلكت العين المؤجرة بسبب قوة قاهرة،انفسخ عقد الكراء ولا يحل للمستأجر أن يطالب المؤجر بتشييدها،ولا أن يشيدها المستأجر بنفسه على حساب المِؤجر،حتى ولو كانت العين المكراة مؤمنا عليها لدى إحدى شركات التأمين،وكان المالك قد تلقى تعويضا من قبل الشركة عن هلاك العين المكتراة.[65]
وتطبيقا لمبدإ العقد شريعة المتعاقدين،يمكن للمتعاقدين أن يتفقا على قصر الأثر على اجل تنفيذ العقد،وذلك بتمديد أجل تنفيذه بحيث لا يصبح العقد نافذا إلا بعد حلول الأجل الجديد،أو إبرام عقد جديد مكانه،[66] يضع المتعاقدان في الحسبان عند إبرامه ما استجد من ظروف ووقائع.
كما يمكن للمدين في حالات خاصة أن يطلب من قاضي الموضوع أن يمهله مدة من الزمن من أجل تنفيذ التزامه،وذلك تطبيقا للفصل 243 من ق.ل.ع [67]،وهو ما يعرف بمهلة الميسرة[68].
ويترتب من الناحية القانونية على استحالة تنفيذ الالتزام العقدي، مجموعة من الآثار التابعة لتلك الاستحالة نوجزها كالآتي:
  • بانقضاء الالتزامات الأصلية يتحلل المدين من الالتزامات المتفرعة عن التزامه الأصلي :فالالتزام التابع يتبع الالتزام الأصلي جودا وعدما،فإذا كان الالتزام العقدي مضمونا بكفالة شخصية أو عينية انقضت الكفالة وبرئت ذمة الكفيل.[69]
  • انتقال الحقوق ودعاوى المدين إلى دائنه في أصول معينة عند الاقتضاء: ويستفاد هذا الحكم من مضمون الفصل 337 من ق.ل.ع الذي جاء فيه :
"إذا انقضى الالتزام لاستحالة تنفيذه، بغير خطأ المدين فإن الحقوق والدعاوى المتعلقة بالشيء المستحق والعائدة للمدين تنتقل منه للدائن"[70].
  • تطبيق قواعد الإثراء بلا سبب بخصوص ما تم دفعه من أحد الطرفين،بعد أن أصبح غير مستحق لانقضاء الالتزام بدون تنفيذه بسبب قوة قاهرة.[71]وهذا الحكم يستفاد من نص الفصل 338 من ق.ل.ع .[72]
2) الاستحالة الجزئية


تطرقنا في النقطة السابقة لاستحالة تنفيذ الالتزام بشكل مطلق بسبب القوة القاهرة،لكن هناك حالات قد يقتصر فيها أثر القوة القوة القاهرة على جزء من الالتزام فقط،حيث تظل إمكانية تنفيذ الجزء الآخر قائمة،وتبرأ ذمة المدين في الوفاء فقط في الجزء الجزء الذي طالته القوة القاهرة،لكن قد لا يحقق التنفيذ الجزئي للالتزام الغاية المرجوة من التعاقد في عموميته،والأمر هنا متروك لتقدير قاضي الموضوع الذي قد يرى أن استحالة الوفاء بالجزء الآخر من الالتزام يبرر انقضاء الالتزام كله فيقضي بفسخ العقد إذا كان غير قابل للانقسام[73] وإذا كان ما استحال تنفيذه هو الجزء الأهم من الالتزام،مع مراعاة كون الالتزام أصليا أم تبعيا وما يكون لكل منهما من أهمية في كيان العقد حسبما يرى القاضي في كل حالة بذاتها،وفيما يحقق إرادة المتعاقدين التي تتضح من العقد أو تبين من تفسيره الصحيح بغير إهدار لتلك الإرادة.[74]
والاستحالة الجزئي تكون جزئية إما بالنظر لمدة الانتفاع،أي زمنية،وقد تكون متعلقة بمدى هذا الانتفاع.
فالاستحالة الجزئية زمنيا بالشيء هي التي لا تطال مدة الانتفاع بكاملها،وإنما بمرحلة منها،كما في حالة عقد الإيجار ،حيث لا تستغرق الاستحالة مدة الإيجار بكاملها،وإنما في مرحلة زمنية فقط؛كمصادرة المأجور خلال فترة معينة من مراحل الكراء[75]، ففي هذه الحالة لا يعفى المدين من تنفيذ الالتزام،وإنما يبقى ملزما بذلك بعد زوال أثر القوة القاهرة.
أما الاستحالة الجزئية كميا بالشيء فهي التي تتناول الانتفاع من عين الشيء كما لو تمت مصادرة أو احتلال جزء أو مساحة من العقار دون أن يؤدي ذلك إلى استحالة كلية من الانتفاع بالمأجور وفقا للغرض الذي أعد له.[76]
وفي ميدان نقل الأشياء قرر المشرع المغربي أن انقطاع عقد النقل بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة لا تنسب لأحد الأطراف لا يستحق الناقل ثمن النقل إلا عن المسافة المقطوعة فضلا عما أداه من مصاريف وتسبيقات لازمة.[77]
نفس الأمر طبقه المشرع المغربي بخصوص نقل الأشخاص وذلك بمقتضى الفقرة الثالثة من المادة 478 من مدونة التجارة،[78]
وتترتب عن استحالة تنفيذ الالتزام بسبب قوة قاهرة عديد الآثار،وهي التي ستكون موضوع النقطة التالية من بحثنا.

" ثانيا: الإعفاء من المسؤولية "



رأينا فيما مر معنا أن القوة القاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا،وبالتالي ينقضي بسبب هذه الاستحالة،لكن هذا الأثر لا يعدو أن يكون أثرا تبعيا مرتبط منطقيا بشرط الاستحالة الذي تقتضيه القوة القاهرة لقيامها،ويبقى أهم أثر للقوة القاهرة هو أنها تعفي المدين من كل مسؤولية عن عدم التنفيذ (1)،وفي أحوال أخرى ينعدم فيها أي أثر للقوة القاهرة على الالتزام (2)،وسنرى هل يمكن أن يكون هذا الإعفاء جزئيا فقط (3).

1) الإعفاء الكلي من المسؤولية


قرر المشرع المغربي قاعدة الإعفاء الكلي من المسؤولية العقدية بموجب 269 من ق.ل.ع.
حيث أعفى المدين من التعويض إذا كان عدم التنفيذ أو التأخير فيه يرجع إلى قوة قاهرة لا يد له في تحريكها،حيث لا التزام بمستحيل،ولا يكلف الشخص فوق طاقته،ولا يلزمه أن يكون خارقا حتى يتجاوز تلك الاستحالة.
لكن إذا كان سبب الاستحالة قد ساهم فيه المدين،فإنه لا يستفيذ من الإعفاء لأن العقد شريعة المتعاقدين[79]،ولا يمكن نقضه إلا برضاهما، كما لا يسوغ للشخص أن يصنع سبب إعفاء يستفيذ منه.
وقد تكون القوة القاهرة سببا قانونيا في انتهاء العقد دون ترتيب أدنى مسؤولية في ذمة أي من طرفيه،كما في عقد الوكالة التجارية الذي ينتهي بقوة القانون بفعل القوة القاهرة،وهذا حسب ما جاءت به الفقرة الأخيرة من المادة 396 من مدونة التجارة.[80]
وفي إطار عقد التأمين لم يخول المشرع المغربي للمؤمن التمسك بسقوط حقوق المؤمن له الناتجة عن أحد شروط العقد إذا أثبت هذا الأخير أن عدم إدلائه بالتصريح بالخطر داخل الآجال القانونية كان بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي،وذلك استنادا على ما جاء في المادة 20[81] من مدونة التأمينات.وبالتالي فالمشرع المغربي أعفى المؤمن له من كامل المسؤولية المترتبة عن الإخلال بالتصريح بالحادث[82] داخل أجل 5 أيام.[83]
هذا فيما يخص الإعفاء الكلي من المسؤولية،لكن هل يمكن أن نتصور إعفاء جزئيا فقط منها؟

2) الإعفاء الجزئي من لمسؤولية


قبل سنة 1982 كان القضاء الفرنسي يأخذ بالإعفاء الجزئي من المسؤولية المدنية كلها،وذلك كلما انعدمت في واقعة إحدى شروط القوة القاهرة أو كلها، حيث كان يعفي المدين جزئيا عن الضرر الناتج عن الواقعة التي لم ترقى لمصاف القوة القاهرة،بل كان ينقصها فقط،فكان القضاء الفرنسي يعتبر أن ربان السفينة التي غرقت نتيجة رياح عاتية تشبه الإعصار لم تعف المدين كلية من المسؤولية وإنما يتم تخفيضها،وهذا الاتجاه وجذ تأييدا له من لدن محكمة النقض التي أكدت هي الأخرى أن القوة القاهرة في مثل هذه الحالة لا تعفي المدين من المسؤولية إلا بكيفية جزئية فقط.[84]
لكن بعد سنة 1982 تراجع القضاء الفرنسي عن هذا التوجه،حيث أصدرت الغرفة الثانية بمحكمة النقض الفرنسية قرارا هاما قررت فيه أن القوة القاهرة إما أن تتحقق كافة شروطها فتعفي كلية من المسؤولية،وإما أن تنعدم هذه الشروط أو بعضها وبالتالي لا يكون للواقعة أي أثر على المسؤولية.[85]
أما بالنسبة لموقف القضاء المغربي والمصري،فإن الفقيه الكشبور اعتبر أنهما سايرا القضاء الفرنسي في توجهه الأخير حيث قال :
" والظاهر أن هذا الموقف الأخير الصادر عن محكمة النقض الفرنسية هو السائد على ما يبدو في كل من القضائين المصري والمغربي،بحيث ليست هناك حلول وسطى تتصل بالإعفاء الجزئي من المسؤولية في حالات الادعاء أو التمسك بالقوة القاهرة."
وهناك حالات خاصة لا يكون فيها للقوة القاهرة أدنى أثر على الالتزام، وهو ما سنتعرف عليه في النقطة الموالية.

3) عدم تأثير القوة القاهرة على الالتزام


إذا كان المبدأ هو أن القوة القاهرة بتحققها تعفي المدين من كامل المسؤولية عن عدم تنفيذ الالتزام، فإن هناك حالات لا تسعف فيها القوة القاهرة المدين في التحلل من التزاماته، وإنما يبقى مسؤولا رغم تحققها، نذكر منها:

أ) إذا كان المدين وراء تحريك واقعة القوة القاهرة


يستفاد هذا الحكم من القواعد العامة التي تمنع الشخص من أن ينتفع من أخطائه.وكذلك بإعمال مفهوم المخالفة[86] لما جاء به الفصل 335 من ق.ل.ع،[87]التي أكدت على أن الالتزام ينقضي إذا أصبح مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية بغير فعل المدين أو خطإه.وقد أكد المشرع صراحة على هذا الحكم من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل 269 من ق.ل.ع التي جاء فيها :
"وكذلك لايعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين."

ب) إذا كان المدين في حالة مطل قبل تحقق القوة القاهرة


إن من بين النتائج المترتبة عن دخول المدين في حالة مطل،[88]بسبب عدم تنفيذه الالتزام الذي حل أجل تنفيذه هو تحمله لعواقب ما يمكن أن يطرأ من صعوبات وظروف بعد ذلك قد تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا؛كقوة قاهرة،فحالة المطل تجرد المدين من حقه في الاستفادة من حالة الإعفاء التي ترتبها القوة القاهرة في الحالات العادية،بحيث لو انتفت حالة المطل وتوفرت شروط القوة القاهرة لانقضى الالتزام وأعفي من كامل المسؤولية،وقد نص المشرع المغربي صراحة على هذا المقتضى بموجب الفصل 266 من ق.ل.ع الذي جاء فيه :
"المدين الموجود في حالة مطل يكون مسؤولا عن الحادث الفجائي والقوة القاهرة."
كما يستفاذ الأمر نفسه بإعمال مفهوم المخالفة لما جاء في الفصل 335 من ق.ل.ع السالف الذكر: "...وقبل أن يصير في حالة مطل." بمعنى أنه لو أصبح المدين في حالة مطل فإن الملتزم لا يعفى من المسؤولية حتى لو أصبح التنفيذ مستحيلا بسبب قوة قاهرة.


ج) إذا اتفق الطرفان على تحمل المدين للقوة القاهرة


يجوز للطرفين أن يعدلا باتفاقهما من أثر القوة القاهرة أو الحادث الفجائي،ويترتب على ذلك أن يجوز لهما أن يتفقا على أن القوة القاهرة أو الحادث الفجائي لا يعفي المدين من التزامه،[89]فيعتبر صحيحا الشرط الذي يقضي بإلزام الأب بدفع كافة المصاريف المدرسية ولو تعذر على التلميذ مواصلة الدراسة والإقامة طول السنة بسبب قوة قاهرة،وقد أكد المشرع المصري هذه الإمكانية بموجب المادة 217 من القانون المدني التي جاء فيها :
"يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة..."

" بعض الآثار الفرعية للقوة القاهرة "



يعد كل من استحالة تنفيذ الالتزام العقدي والإعفاء من المسؤولية العقدية أثرين مباشرين للقوة القاهرة،لكن مع ذلك فهناك آثار فرعية للقوة القاهرة، وسنتناول في هذه الفقرة أثرها على الشرط الجزائي ثم على التقادم.

أولا: أثر القوة القاهرة على الشرط الجزائي


يمكن تعريف الشرط الجزائي بأنه" " اتفاق سابق على تقدير التعويض الذي يستحقه الدائن في حالة عدم تنفيذ المدين لالتزامه الأصلي أو لمجرد التأخر في تنفيذه"[90]
ويمكن تكييف الشرط الجزائي بأنه جزاء المسؤولية العقدية من جهة، ومن جهة أخرى هو التزام تابع لالتزام أصلي ناشئ عن العقد،وبما أنه كذلك فوجوده يرتبط بوجود الالتزام الأصلي،فإذا أعفي المدين من المسؤولية العقدية بسبب قوة قاهرة فيترتب عن ذلك كذلك رفع الشرط الجزائي وسقوطه.[91]

ثانيا: أثر القوة القاهرة على تقادم الالتزام العقدي


عرف قانون الالتزامات والعقود التقادم في الفصل 371 بنصه على أن:
"التقادم خلال المدة التي يحددها القانون يسقط الدعوى الناشئة عن الالتزام"
ومدة التقادم[92] قد تنقطع [93]وقد تتوقف[94] للأسباب المحددة قانونا.
والقوة القاهرة يمكن اعتبارها من أسباب وقف التقادم، وهو ما يستفاد من الفصل 380 الذي ينص على أنه:

" لا يسري التقادم بالنسبة للحقوق إلا من يوم اكتسابها،وبناء على ذلك لا يكون للتقادم محل:
5) إذا وجد الدائن بالفعل في ظروف تجعل من المستحيل عليه المطالبة بحقوقه خلال الأجل المقرر للتقادم؛"
وعليه إذا كانت هناك ظروف خارجية اضطرارية مستقلة عن شخص الدائن وغير متصلة به كالحرب والأسر وقطع المواصلات، وترتب عن ذلك أن استحال على صاحب الحق أن يقوم بإجراءات المطالبة بحقه، كنا بصدد قوة قاهرة، وبالتالي تتوقف مدة التقادم عن السريان إلى حين زوال تلك الظروف.

الفقرة الثانية: آثار القوة القاهرة على المسؤولية التقصيرية



بالنسبة للالتزام التقصيري فبدوره نص المشرع على إعفاء المسؤول إذا كان الضرر قد نشأ عن قوة قاهرة،وذلك من خلال الفصل 95 من ق.ل.ع[95]ونضرب مثالا على ذلك بنزول صاعقة أحرقت الأجهزة الكهربائية في المستشفى،مما أدى إلى تعطيلها أثناء قيام الطبيب بإجراء عملية جراحية،مما نتج عنه نزيف حاد للمريض أدى إلى إصابته بعاهة أو وفاة؛ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب عن الضرر،لأن القوة القاهرة قطعت علاقة السببية بين الضرر الحاصل للمريض والخطأ الطبي الذي ليس للطبيب شأن فيه.
فإذا كانت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي السبب الوحيد في وقوع الضرر فإن علاقة السببية بين الخطأ والضرر تنعدم، ومعها تنعدم المسؤولية، كما لو عاصفة فقلبت السيارة على أحد المارة فأصابته،فهنا لم يقترن الضرر بفعل يؤاخذ عليه المسؤول.
أما إذا اشتركت القوة القاهرة أو الحادث الفجائي مع خطأ المدعى عليه في إحداث الضرر كان المدعى عليه مسؤولا مسؤولية كاملة عن الضرر، كما لو أن سائق السيارة مثلا يسير بسرعة جنونية تفوق الحد المسموح به، ثم هبت ريح شديدة فاقتلعت شجرة وألقت بها أمام السيارة فترتب على ذلك أن جنحت السيارة وانقلبت على المارة فأصابته بجروح، كان السائق مسؤولا تجاه المصاب والتزم بالتعويض عليه تعويضا كاملا.[96]
والملاحظ أن القضاء المغربي يتشدد في الأخذ بالقوة القاهرة للإعفاء من المسؤولية في إطار حراسة الأشياء،لأنه لا يكتفي بتوفر شروط القوة القاهرة من أجل ترتيب آثارها،بل لابد من توافر شروط أخرى أثارها الفصل 88 من ق.ل.ع، ويتعلق الأمر بضرورة أن يثبت الحارس أنه قام بما هو ضروري لمنع الضرر؛ وهو ما أكده القضاء المغربي في العديد من قراراته؛ حيث أشار في أحدها:
"لا يكفي للإعفاء من المسؤولية إلى جانب إثبات خطأ الضحية تصريح المحكمة بأن المسؤول قد فعل كل ما كان ضروريا لتجنب الضرر"[97].
كما صدر حكم عن المحكمة التجارية بأكادير [98] قضت فيه بإجراء خبرة قضائية قصد تحديد التعويض المستحق لأصحاب مراكب الصيد الصغيرة.
وتتلخص وقائع النازلة في أن عاصفة اجتاحت ميناء أكادير في شتاء 2010، أدت إلى اجتياح المياه للميناء مما أدى بدوره إلى جنوح مراكب شركة صونارب بعد افتكاك رباطها، وقد صدمت هذه الأخيرة مراكب الصيد التقليدي الصغيرة لمجموعة من الصيادين التقليديين، وقد باشر هؤلاء دعواهم أمام المحكمة التجارية بأكادير في إطار المسؤولية عن الشيء قصد الحكم على مالكة البواخر (شركة صونارب) بتعويضهم عن الضرر الحاصل لهم (فقدان الربح بالإضافة إلى الضرر المادي).
ومما تمسكت به المدعى عليها شركة صونارب "أن الحادث ناتج عن قوة قاهرة، وأن سبب الحادث غير متوقع والعاصفة كانت قوية ووصلت إلى علم الرأي العام الوطني، وأن أصحاب المراكب التقليدي تم تعويضهم من طرف الدولة بمراكب جديدة. والمحكمة بعد إجراء بحث في النازلة اقتضى نظرها على إصدار أحكام تمهيدية وتعيين خبراء قصد تحديد الضرر الحاصل للمراكب، ما يفيد أنها تجاوزت دفع المدعى عليها بالقوة القاهرة، واستبعدت قيامها .
وبالتالي فالمحكمة تجاوزت دفع المدعى عليها بإعفائها من المسؤولية لتوفر شروط القوة القاهرة،وذلك بتعيينها للخبراء لأجل تحديد مقدار التعويض.
واعتبارا لكون الأحكام النهائية هي التي تكون محل تعليل وإجابة عن الدفوع، فإن علل المحكمة في استبعاد القوة القاهرة تظل مجهولة، لكن يمكن أن تكون المحكمة قد استندت على أن المدعى عليها لم توضح أنها قامت بما يجب لتفادي وقوع الضرر.
ونختم هذه الفقرة بالقول أنه في المسؤولية عن الأفعال الشخصية يستطيع أن ينفي عن نفسه الخطأ لكي يتخلص من مسؤوليته،وبالتالي فإنه قلما يلجأ إلى التمسك بالسبب الأجنبي،اللهم إذا تعذر عليه نفي خطئه،أما في المسؤولية عن فعل الغير أو عن فعل الشيء فإن اللجوء إلى التمسك بالسبب الأجنبي هو الكثير في العمل.[99]

المطلب الثاني: بعض تطبيقات القوة القاهرة وإثباتها


سنتناول في هذا المطلب بعض تطبيقات القوة القاهرة(الفقرة الأولى) لنتناول بعدها في (الفقرة الثانية) على من يقع عبء إثباتها.

الفقرة الأولى: بعض تطبيقات القوة القاهرة



سنحاول من خلال هذه الفقرة بحث أحد أهم تطبيقات القوة القاهرة، ثم نناقش بعدها هل الإضراب يعد من قبيل الوقائع التي تنزل منزلة القوة القاهرة.

" أولا: الحرب كأحد أهم تطبيقات القوة القاهرة "


تعتبر الحرب أحد أهم تطبيقات القوة القاهرة، وذلك لما ينجم عنها من أحداث وأضرار مادية وأزمات اقتصادية،[100] فإذا توفر في الحرب شرطا عدم التوقع واستحالة الدفع وكان لها تأثير على الالتزام اعتبرت قوة قاهرة،أما الشرط الثالث-أي خطأ المدين- فلا يتصور من الناحية الواقعية ولا القانونية أن يكون للمدين دخل في قيام الحرب، لأن الحرب أصبحت من أعمال الدول لا الأفراد.[101]
والذي يجب أن يستحيل دفعه وتوقعه ليس الحرب بذاتها،وإنما ما خلفته من أحداث واضطرابات،فإذا دخل العدو بلدا فطرد سكانها كان هذا قوة قاهرة تعفي المكتري من التزاماته المترتبة عن عقد الكراء، والمودع لديه من التزامه بالمحافظة على الوديعة، وقد تكون الحرب سببا في تقلب سعر العملة وانقطاع المواصلات وغلاء الحاجيات والمواد الأولية، فتكون قوة قاهرة ترفع المسؤولية عن المدين في هذه الأحوال.[102]
وبالنسبة للمشرع المغربي فإنه بتوظيفه لمصطلح "غارات العدو" في الفصل 269 فإن الأمر يمكن أن يقرأ على أنه يقصد به جانبا من جوانب الحرب وليست الحرب في مفهومها الشمولي،فالدولة قد تكون معتدية وقد تكون معتدى عليها، ومبدئيا قد يتمخض الوضع في الحالتين معا عن قوة قاهرة بالنسبة للمدين.[103]
والقضاء الفرنسي من خلال محكمة النقض لم يتعامل بمرونة مع واقعة الحرب، واعتبر أن الحرب في حد ذاتها لا تعتبر قوة قاهرة إلا إذا استجمعت شروطها بالنسبة للمدين،[104]وعليه فظروف الحرب ونتائجها هي التي تشكل قوة قاهرة.

" ثانيا: الإضراب "


قد يحدث أن يدخل تاجر في صعوبات اقتصادية بسبب ممارسة العمال حقهم في الإضراب،وهو الأمر الذي قد ينتج عنه عجزه على تنفيذ التزاماته بسبب ذلك الإضراب،هنا يطرح التساؤل: هل يشكل هذا الإضراب قوة قاهرة يتمسك بها التاجر العاجز عن تنفيذ التزاماته من أجل إعفاءه من تلك الالتزامات؟
كقاعدة عامة فإن الإضراب لا يشكل قوة قاهرة تعفي من المسؤولية، خصوصا عندما يكون رب العمل قد ساهم بشكل ما في تحريكه،أو أنه كانت له القدرة في توقيفه ولكنه لم يفعل،[105] كما لو تعنت رب العمل في الاستجابة لمطالب العمال المشروعة وغير التعسفية، ولو فعل لتم فض الإضراب ولما دخلت مقاولته في تلك الصعوبات.
غير أنه استثناء يمكن اعتبار الإضراب قوة قاهرة تعفي من المسؤولية، كما في الحالة التي تكون فيها مطالب العمال خارجة عن اختصاصات المشغل،كما لو أضرب العمال عن العمل من أجل الزيادة في الأجور، ولكن المشغل لم يستطع الاستجابة لتلك المطالب لوجود قانون سار يمنع أرباب العمل من الزيادة في الأجور.[106]

الفقرة الثانية: إثبات القوة القاهرة


إن القاعدة العامة في مجال الالتزام، أن البينة على المدعي[107] واليمين على من أنكر، أي أن من يدعي حقا على الغير أو على شيء ما، يجب عليه أن يقيم الحجة الدامغة على ادعائه، ويبقى للمدعى عليه إثبات عكس هذا الادعاء بالحجة أيضا.
وفي المجال التعاقدي، فإن الدائن يقيم دعوى يطالب فيها المدين بالوفاء بالتزامه انطلاقا من إثباته لوجود العقد وعدم قيام المدين بتنفيذ هذا الالتزام، ومن ثم يكون للمدين الذي تعذر عليه تنفيذ التزامه بسبب قوة قاهرة أو حادث فجائي أن يثبت وجود هذه القوة القاهرة أو الحادث الفجائي حتى يتحلل من التزامه وأيضا حتى يدفع مسؤوليته العقدية. ونفس الشيء في مجال المسؤولية التقصيرية، حيث يكون للمدعى عليه إثبات وجود القوة القاهرة أو الحادث الفجائي حتى يتحلل من التزامه التقصيري، وبالتالي عدم أدائه للتعويض[108].
وقد أشار الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود إلى بعض الحالات التي تدخل في إطار القوة القاهرة وبالتالي فإن مجرد إثبات الطرف المحتج بالقوة القاهرة وجود إحدى هذه الحالات، يفرض على القاضي الإقرار بثبوتها وترتيب آثارها، دون أن يحق له أن يبحث في مدى اعتبار هذه الحالة تدخل في إطار القوة القاهرة أم لا لأن تكييف هذه الحالات هو تكييف تشريعي للواقع.
أما بخصوص الحالات الأخرى المماثلة أو المستوفية لشروط القوة القاهرة، على اعتبار أن الإشارة إلى هذه الحالات في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود جاءت على سبيل المثال لا الحصر، فإن القاضي هو الذي يستقل بتقديرها لأنها مسألة من مسائل الواقع.
وبما أن الإثبات في هذا الجانب يتعلق بالوقائع المادية، فإن هذا الإثبات يتم بكافة الوسائل الممكنة كالقرائن وشهادة الشهود. وفيما يخص الوقائع التي نالت من الشهرة حد علم الجميع تقريبا بها كالحروب العالمية والأحداث البارزة والشهيرة، فإن المحتج بها لا يكون ملزما بإثباتها، بل يفترض بالمحكمة العلم بها لأنها تنزل منزلة النص القانوني الذي لا يكون القاضي معذورا بجهله[109].




خاتـمـة


حاولنا من خلال هذه الدراسة رفع اللبس عن أحد أهم أسباب انتفاء المسؤولية المدنية-بشقيها التقصيري والعقدي- الذي هو القوة القاهرة.
وتوصلنا خلالها إلى أن المشرع المغربي وضع تعريفا لهذا السبب من خلال الفصل 269 من ق.ل.ع، عكس نظيره الفرنسي، كما تشدد في شروط قيام القوة القاهرة، حيث أكد على ضرورة استجماع الحادث شروطا ثلاثة حتى يعتبر قوة قاهرة، وهي شرط عدم التوقع وعدم القدرة على الدفع، وأن لا يكون للمدين دخل في إثارة الحادث. واعتبرنا أن الشرطين الأولين كافيين لتحقق القوة القاهرة،لأن الشرط الثالث مرتبط بهما، على اعتبار أن ما كان غير متوقع وغير ممكن دفعه لا يمكن إلا أن يكون خارجا عن إرادة المدين.
وقد حاول بعض الفقه إقامة تميز بين القوة القاهرة والحادث الفجائي،غير أن الأمر-كما رأينا- ليس كذلك، حيث أن الحادث الفجائي والقوة القاهرة تسميتان لمسمى واحد، وقد حاولت التشريعات الحديثة تجاوز ذلك التمييز.
وتشدد التشريعات في شروط قيام القوة القاهرة قابله القضاء بتشدد أقوى، حيث استلزم ضرورة توفر شرط رابع إلى جانب باقي الشروط للقول بالقوة القاهرة وهو شرط الخارجية.
وتترتب عن تحقق القوة القاهرة آثار مهمة أهمها انقضاء الالتزام وعدم ترتيب أدنى مسؤولية على عاتق المدين كونها أعدمت الرابطة السببية بين خطأ المسؤول والضرر اللاحق بالطرف المتضرر، ما لم يكن للمدين دخل إطار الواقعة المكونة للقوة القاهرة.
وفي الختام نعتقد أنه من اللازم على المشرع إعادة النظر في النصوص المنظمة للقوة القاهرة في اتجاه توسيع نطاقها، مع ضرورة أن يتعامل القضاء بصرامة فيما يخص تحقق شروطها في الحادث من عدمه، نظرا للآثار الكبيرة التي تنجم عن تحققها وذلك ضمانا لاستقرار المعاملات.





لائحة المراجع


المراجع باللغة العربية
- عبد الرزاق أحمد السنهوري. الوسيط في شرح القانون المدني. الجزء الثاني. دار النهضة العربية. 1964.
  • مأمون الكزبري."نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، مصادر الالتزامات".الطبعة الثالثة.1974.مطبعة النجاح الجديدة.الدار البيضاء.
- حسين عامر وعبد الرحيم عامر. المسؤولية المدنية التقصيرية العقدية. ط 2. دار المعارف. القاهرة. 1979
- محمد الكشبور،نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة.دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج.الطبعة الأولى.مطبعة النجاح الجديدة.
- أستاذنا عبد الرزاق أيوب ، سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي ، دراسة مقارنة ، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة ، عدد 5 الطبعة الأولى 2003، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء.
- محمد بفقير. قانون الالتزامات والعقود والعمل القضائي المغربي، قانون الالتزامات والعقود مع آخر التعديلات. ط 2010. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء.
- أنور طلبة. انحلال العقود الفسخ التفاسخ الانفساخ البطلان استحالة التنفيذ الظروف الطارئة التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض. ط غ م. المكتب الجامعي الحديث. الأزاريطة. الاسكندرية. 2004.
- عبد القادر العرعاري.مصادر الالتزامات الكتاب الثاني. المسؤولية المدنية،الطبعة الثالثة.مطبعة الكرامة.الرباط
- فريدة اليرموكي "علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين رأي الفقه وموقف القضاء-دراسة مقارنة-"الطبعة الأولى 1430-2009.
- إدريس فائق. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص. تحت عنوان: القوة القاهرة في عقود التجارة الدولية. كلية الحقوق. جامعة القاضي عياض. مراكش. 1999/2000.
- منذر الفضل.الوسيط في شرح القانون المدني .دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي والقوانين المدنية العربية والاجنبية معززة بآراء الفقه وأحكام القضاء.الطبعة الأولى 2006.منشورات تاراس رقم 467.
- علي علي سليمان.النظرية العامة للالتزام.مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري.الطبعة الخامسة 2003 .ديوان المطبوعات الجامعية
- وهبة الزحيلي.نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الاسلامي-دراسو مقارنة-دار الفكر.دمشق 1998
المراجع باللغة الفرنسيةles ouvrages
- H. WATRIN. De la responsabilité civile. Librairie-éditeur. Paris. 1873.
- Jos WILLEMS. Essai sur la responsabilité civile. Imp.A. Chauvin et fils. Toulouse. 1896.
- Henri LALOU. La responsabilité civile. Principes élémentaires et applications pratiques. 2 édi. Dalloz. Paris. 1932
المجلات
مجلة قضاء المجلس الأعلى.



الفـهـرس

لائحة فك الرموز - 1 -
مـقـدمـة: - 2 -
المبحث الأول : الأحكام العامة للقوة القاهرة: - 4 -
المطلب الأول: مفهوم القوة القاهرة وأساسها القانوني: - 4 -
الفقرة الأولى : مفهوم القوة القاهرة: - 4 -
أولا: مفهوم القوة القاهرة في التشريع: - 4 -
ثانيا: مفهوم القوة القاهرة في الفقه القانوني. - 5 -
ثالثا: القوة القاهرة في الفقه الإسلامي. - 7 -
رابعا: مفهوم القوة القاهرة على ضوء القضاء. - 7 -
الفقرة الثانية : تمييز القوة القاهرة عن بعض النظم المشابهة. - 9 -
أولا: القوة القاهرة والحادث الفجائي. - 9 -
ثانيا : القوة القاهرة والظروف الطارئة. - 11 -
ثالثا: القوة القاهرة وحالة الضرورة - 11 -
الفقرة الثالثة: الأساس القانوني للقوة القاهرة - 12 -
أولا: نظرية انتفاء الخطأ - 12 -
ثانيا : نظرية انتفاء السببية. - 13 -
المطلب الثاني: شروط القوة القاهرة - 13 -
الفقرة الأولى: أن يكون الحادث غير ممكن توقعه. - 13 -
أولا: مفهوم عدم التوقع. - 13 -
ثانيا: معيار عدم التوقع. - 15 -
الفقرة الثانية : استحالة دفع الضرر الناشئ عن القوة القاهرة - 15 -
أولا: مفهوم عدم القدرة على الدفع. - 16 -
ثانيا: معيار استحالة الدفع. - 17 -
الفقرة الثالثة : ألا يكون للمدين دخل في إثارة القوة القاهرة - 18 -
الفقرة الرابعة: شرط الخارجية. - 19 -
المبحث الثاني: آثار القوة القاهرة وإثباتها - 21 -
المطلب الأول : آثار القوة القاهرة على المسؤولية المدنية - 21 -
الفقرة الأولى:آثار القوة القاهرة في إطار المسؤولية العقدية. - 21 -
أولا : استحالة تنفيذ الالتزام - 21 -
1) الاستحالة المطلقة. - 21 -
2) الاستحالة الجزئية. - 24 -
ثانيا: الإعفاء من المسؤولية. - 25 -
1) الإعفاء الكلي من المسؤولية. - 25 -
2) الإعفاء الجزئي من لمسؤولية. - 26 -
3) عدم تأثير القوة القاهرة على الالتزام - 27 -
أ) إذا كان المدين وراء تحريك واقعة القوة القاهرة - 28 -
ب) إذا كان المدين في حالة مطل قبل تحقق القوة القاهرة - 28 -
ج) إذا اتفق الطرفان على تحمل المدين للقوة القاهرة - 29 -
ثالثا: بعض الآثار الفرعية للقوة القاهرة - 29 -
أولا: أثر القوة القاهرة على الشرط الجزائي. - 29 -
ثانيا: أثر القوة القاهرة على تقادم الالتزام العقدي.. - 30 -
الفقرة الثانية: آثار القوة القاهرة على المسؤولية التقصيرية. - 30 -
المطلب الثاني: بعض تطبيقات القوة القاهرة وإثباتها - 32 -
الفقرة الأولى: بعض تطبيقات القوة القاهرة - 33 -
أولا: الحرب كأحد أهم تطبيقات القوة القاهرة - 33 -
ثانيا: الإضراب.. - 34 -
الفقرة الثانية: إثبات القوة القاهرة - 34 -
خـاتـمـة - 36 -
لائحة المراجع - 37 -
الفـهـرس - 39 -



[1] حسين عامر وعبد الرحيم عامر. المسؤولية المدنية التقصيرية العقدية. ط 2. دار المعارف. القاهرة. 1979. ص 391.
[2] : يتعين تفسير عبارة" ما التزم به " تفسيرا موسعا وعدم حصرها في الالتزام العقدي،فكما هو معلوم أن مصادر الالتزام متعددة ومتنوعة ومن بينها العمل غير المشروع أو ما درج الفقه على تسميته بالمسؤولية المدنية خصوصا التقصيرية منها،إذ إنها هي الأخرى تقوم- بشكل عام –على التزام سابق هو الالتزام بعدم الأضرار بالغير.
[3] : كما هو الشأن بالنسبة للفصول 1348-1631-1730-1733-1754-1755
[4] : B.starck.. essai d'une théorie générale de la responsabilité civile considérée dans sa double fonction de garantie et de peine privée."paris.1947 n 243
أشار إليه محمد الكشبور. نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة.دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج.الطبعة الأولى.مطبعة النجاح الجديدة .ص 25

[5] : r.demogue les effets des obligations.tome 6.paris.1931.p 243 أشار إليه محمد الكشبور.م.س.ص 25
[6] H.L.J.Mazeaud.lecons de droit civil francais.edit.montchrestien.parit.1962.p 531
محمد الكشبور.م.س.ص 25.

[7] التي سنشير إليها فيما بعد.
[8] :r.dufourmantelle . la force majeure dans les contrats civils ou commerciaux et dans les marchés administratifs. paris 1920.p 12
أشار له محمد الكشبور، م س.ص 25

[9] Henri LALOU. La responsabilité civile. Principes élémentaires et applications pratiques. 2 édi. Dalloz. Paris. 1932. P 164.
[10] منذر الفضل.الوسيط في شرح القانون المدني .دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية العربية والأجنبية معززة بآراء الفقه وأحكام القضاء.الطبعة الأولى 2006.منشورات تاراس رقم 467. ص 346
[11] تبيين الحقائق للزيلعي:6/143 وما بعدها،مجمع الضمانات للبغدادي:ص 149.أشار إليه وهبة الزحيلي.نظرية الضمان أو أحكام المسؤولية المدنية والجنائية في الفقه الاسلامي-دراسو مقارنة-دار الفكر.دمشق 1998 .ص37
[12] منذر الفضل.م.س.ص 346
[13] محكمة الاستيناف بالرباط صادر بتاريخ 22 نونبر 1937. مجموعة قرارات محكمة الاستيناف بالرباط. ذكره إدريس فائق. أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص. تحت عنوان: القوة القاهرة في عقود التجارة الدولية. كلية الحقوق. جامعة القاضي عياض. مراكش. 1999/2000. ص 61.
[14] حكم رقم 251 بتاريخ 23/01/2014 ملف رقم 210/12/807.
[15] قرار صادر بتاريخ 15/01/2008، أورده محمد بفقير. قانون الالتزامات والعقود والعمل القضائي المغربي، قانون الالتزامات والعقود مع آخر التعديلات. ط 2010. مطبعة النجاح الجديدة. الدار البيضاء. ص 169.
[16] Le cas fortuit ou de force majeure set un événement extérieur, qui se produit brusquement et qu'on ne peut ni prévoir ni empêcher.
أورده حسين عامر وعبد الرحيم عامر. م س. ص 391.

[17] نقض مصري 28/05/1980 طعن أ 33 س 46 ف, ذكره أنور طلبة. انحلال العقود الفسخ التفاسخ الانفساخ البطلان استحالة التنفيذ الظروف الطارئة التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض. ط غ م. المكتب الجامعي الحديث. الأزاريطة. الاسكندرية. 2004. ص 166.
[18] نقض مصري 17/05/1966 طعن 272 ص 31. ق 1 ذكره أنور طلبة. م س. ص 167.
[19] :السنهوري .م.س.ص 735
[20] يرى بعض الفقه أن: القوة القاهرة هي الحدث الذي لا يمكن توقعه ولا مقاومته، والذي ينتج عن قوة أجنبية، مثل العاصفة والصاعقة والزلزال والحرب وقرار السلطة أو فعل الأمير والإضراب، بينما الحادث الفجائي فهو العائق الداخلي الناتج عن ظروف ترجع للمدين نفسه (كعيب في المعدات أو خطأ العامل)، والذي ليس غير قابل للمقاومة بشكل تام، مما يفيد بأن شخصا أكثر استعدادا يمكنه – ولو بشيء من الصعوبة – مقاومته. هذا التمييز بين القوة القاهرة والحادث الفجائي يجد أحيانا فائدة في المجال التعاقدي، هكذا مثلا في وديعة الفندق، فإن الفصل 1953 من القانون المدني الفرنسي يجعل الفندقي مسؤولا عن السرقة البسيطة لأمتعة المسافر أو النزيل، لكن الفصل 1954 منه يعفيه من السرقة التي تتم عن طريق قوة السلاح أو أي قوة قاهرة. ويبدو هنا أن الفصل 1953 يهم الحادث الفجائي، على العكس من ذلك الفصل 1954 الذي يهم القوة القاهرة. ولكن في غير المجال التعاقدي فلا توجد أهمية عملية لهذا التمييز.
Henri LALOU. Op cit. P 164.
ويقول آخر: القوة القاهرة عموما هي كل قوة لا يمكننا مقاومتها سواء من الناحية القانونية أو من الناحية المادية. وإذا نتجت القوة القاهرة عن قوى الطبيعة، وليس من فعل الإنسان، فإنها تسمى بشكل خاص الحادث الفجائي.
H. WATRIN. De la responsabilité civile. Librairie-éditeur. Paris. 1873. P 145.
وفي قول آخر: الحادث الفجائي هو الحدث الذي لا تتدخل فيه أية إرادة بشرية، أو أي خطأ لشخص ما، إنها واقعة من الطبيعة حيث لا يمكن إثارة مسؤولية أي كان (...) على العكس من ذلك فالقوة القاهرة لا تستثني فعل الإنسان، ولكن الإرادة والحرية لا تصل إلى درجة الاختيار، في هذه الحالة الفعل ليس إلا أداة أو وسيلة مادية، مثال الدفاع الشرعي.
Jos WILLEMS. Essai sur la responsabilité civile. Imp.A. Chauvin et fils. Toulouse. 1896. P 38.

[21] :السنهوري.م.س.ص.736
[22] :عبد القادر العرعاري. مصادر الالتزامات الكتاب الثاني. المسؤولية المدنية،الطبعة الثالثة.مطبعة الكرامة. الرباط. ص 119
[23] :انظر المادة 215 من القانون المدني المصري
[24] : cass.civ.26 mars 1934.gaz.pal.1934
-أورده محمد الكشبور.م.س.ص 63

[25] : محمد الكشبور.م.س.ص. 105
[26] العرعاري.م.س.ص 95
[27] تنص المادة 168 من القانون المدني المصري:" من سبب ضررا للغير ليتفادى ضررا أكبر ، محدقا به أو بغيره ، لا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا"
[28] العرعاري.م.س.ص 94
[29] :محمد الكشبور .م.س.ص.57-58
[30] :محمد الكشبور .م.س.ص 59-60
[31] : عبد القادر العرعاري.م.س .ص 122
[32] : فريدة اليرموكي "علاقة السببية في مجال المسؤولية التقصيرية بين رأي الفقه وموقف القضاء-دراسة مقارنة-"الطبعة الأولى 1430-2009..ص 252
[33] :السنهوري.م.س.ص 737
[34] : ويرى الفقه عموما أن خاصية عدم التوقع تبقى نسبية،فلا يوجد هناك أي فعل أو حدث يمكنه أن يستجيب لشرط عدم التوقع بصفة مطلقة،فيمكن أن نتصور أي شيء،والحدث غير المتوقع ليس هو الحدث غير المتصور (أي الذي لا يمكن تخيله ولا تصوره) ولكن الحدث الذي لا يمكن مواجهته هو الذي لا يمكن توقعه،مثل الرياح القوية لا يمكن اعتبارها غير ذلك،أي غير قوية،وأيضا الأمطار التي لا يمكن أن تكون أحداثا غير متوقعة وبالتالي قوة قاهرة إلا إذا تجاوزت كل التوقعات الممكنة،فالقول بأن الحدث كان غير متوقع يعني أنه لم يكن هنالك أي سبب خاص للتفكير بأنه سوف يتحقق.
-فريدو اليرموكي.م،س.ص 244-254

[35] حسين عامر وعبد الرحيم عامر .م،س.ص 392
[36] :قرار صادر في 18 يناير 1985.منشور بمجلة رابطة القضاء.العددان 14-15. ص 91 وما بعدها..أشار إليه محمد الكشبور.م،س.ص 30
[37] حكم صادر بتاريخ 2 أكتوبر 1986 ،منشور بالمجلة المغربية للقانون.العدد الخامس .ص 298 وما بعدها(الحكم مصحوب بتعليق).أشار إليه محمد الكشبور .ص 30.
" إن النوء المفاجىء في البحر هو من الحوادث المتوقعة والكثيرة الحصول في الموانىء البحرية ولا يعتبر قوة قاهرة". نقض سوري 3263 تاريخ 31/12/1958 مجلة القانون 107 لعام 1959

[38] : أنظر على سبيل المثال :
- السنهوري.م.س.ص 878
- محمد الكشبور .،س.ص 31-32
- حسين عامر وعبد الرحيم عامر .م،س.ص 393

[39] يصطلح عليه كذلك "رب الأسرة العاقل " Bon père de famille
[40] لأنه لو اعتمدنا معيار الرجل شديد الفطنة والذكاء لوجد القاضي نفسه مضطرا لتقرير مسؤولية من يتمتعون بذكاء وفطنة كبيرين،بمقابل إعفاء الأشخاص العاديين من المسؤولية عن حدث اعتبر قوة قاهرة.
-فريدة اليرموكي.م،س.ص 258

[41] السنهوري.م،س.ص 996-997
[42] حسين عامر وعبد الرحيم عامر .م،س.ص 393
[43] :محمد الكشبور.م،س.ص 31
[44] : حسين عامر وعبد الرحيم عامر .م،س.ص 394
[45] : السنهوري.م،س.ص 737
[46] : الكشبور .م،س.ص 33-34
[47] : حكم صادر بتاريخ 4 مارس 1920، مجلة التشريع والعمل القضائي المغربي 1921.ص 146.أشارت إليه فريدة اليرموكي.م،س.ص 264
[48] قرار صادر بتاريخ 6 يوليوز 1963.مجموعة قرارات المحاكم الاستئنافية في المغرب ،عدد 171-172. أشارت إليه: فريدة اليرموكي.م،س.ص 264
[49] : الفقرة الثانية من الفصل 269 من ق. ل .ع :" لايعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه.."
[50] حسين عامر وعبد الرحيم عامر. ص 394. =
وكمثال على حالة الاستحالة المعنوية: الحالة التي يبرم فيها مغني عقدا لإحياء حفل غنائي، ثم يموت عزيز عليه يوم الحفل، فيكون ذلك في نفسه أثر بالغ يستحيل معه أن يُقبل على الغناء، حيث يعتبر في هذه الحالة الحادث قوة قاهرة. السنهوري. م س. ص 738.

[51] : فريدة اليرموكي.م،س.ص 267-268
[52] : محمد الكشبور .م.س.ص 35
[53] :محمد الكشبور.م،س.ص 36
[54] :¨"…l'évenement doit etre étranger au débiteur et aux personnes dont il repond la cour de cassation veille au respect de cette exigence.."
-civ.29 octobre 1985.bull.civ.1985.1n°- 273
أشار لهذا القرار.محمد الكشبور.م،س.ص 31

[55] : محمد الكشبور م.س.ص 36
[56] : r.rodièreKla responsabilité n 1414
أشار إليه محمد الكشبور .م.س.ص 40

[57] : G. viney. La responsabilité. Conditions l. c. d. j. 1982 n° 385. P 45.
أشارت إليه فريدة اليرموكي. م س. ص 275.

[58] Civ. 16 juin 1896. D. p. 1897. P 433. Concl. Sarut.
أشار إليه محمد الكشبور. م س. ص 41.

[59] فريدة اليرموكي. م س. ص 276.
[60] محمد الكشبور. م س. ص 44.
[61] نفسه.
[62] : تعتير استحالة تنفيذ الالتزام شرطا لتحقق القوة القاهرة،وفي نفس الآن أثرا لها.
[63] يجب أن نميز في الاستحالة المطلقة بين معنيين كلاهما ضروري لتحقق القوة القاهرة،أولهما أن الاستحالة يجب أن تكون تامة بمعنى أن الملتزم ما كان بوسعه أن يتصرف بخلاف ما فعل،وثانيهما يقتضي أن تكون الاستحالة عامة،أي أنها ليست خاصة بشخص المدين وحده.
-سليمان مرقس.الوافي في شرح القانون المدني ،الجزء الثاني.القاهرة 1988.ص 481.احال عليه.محمد الكشبور.م،س.ص 67

[64] قرار عدد 154 الصادر عن الغرفة الإدارية بتاريخ 14 يوليوز 1972.منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى.العدد 25 ص 149
[65] حسين عامر.عبد الرحيم عامر.م.س.ص 395
[66] يعد التجديد أحد اسباب انقضاء الالتزامات،وقد نظمه المشرع المغربي في الفصول 347-348-349.من ق.ل.ع.
[67] الفصل 243 :" إذا لم يكن هناك إلا مدين واحد، لم يجبر الدائن على أن يستوفي الالتزام على أجزاء، ولو كان هذا الالتزام قابلا للتجزئة، وذلك ما لم يتفق على خلافه إلا إذا تعلق الأمر بالكمبيالات.
ومع ذلك، يسوغ للقضاة، مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق، أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء، وأن يوقفوا إجراءات المطالبة، مع إبقاء الأشياء على حالها"

[68] محمد الكشبور.م،س.ص 69
[69] محمد الكشبور.م.س.ص 71
[70] فمثلا إذا استحال تنفيذ الالتزام،وكان محل الالتزام مؤمنا عليه لدى شركة التأمين ،فإن المدين عليه أن يتنازل عن الحق في التأمين أو التعويض لصالح الدائن
- مامو الكزبري."نظرية الالتزامات في ضوء قانون الالتزامات والعقود المغري،الجزء الأول، مصادر الالتزامات".الطبعة الثالثة.1974.مطبعة النجاح الجديدة.الدار البيضاء.ص 511

[71] الكشبور .م،س.ص 72
[72] الفصل 338 إذا كان عدم تنفيذ الالتزام راجعا إلى سبب خارج عن إرادة المتعاقدين وبدون أن يكون المدين في حالة مَطْـل، برئت ذمة هذا الأخير، ولكن لا يكون له الحق في أن يطلب أداء ما كان مستحقا على الطرف الآخر.
فإذا كان الطرف الآخر قد أدى فعلا التزامه، كان له الحق في استرداد ما أداه، كلا أو جزءا بحسب الأحوال، باعتبار أنه غير مستحق.

[73] وفي هذا الأمر جاء مضمون الفصل 336،من ق.ل.ع حيث ينص :" إذا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الالتزام إلا جزئيا. فإذا كان من طبيعة هذا الالتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر للدائن، كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الالتزام في مجموعه."

[74] حسين عامر.عبد الرحيم عامر.م.س.ص 399
[75] الكشبور.م.س.ص 73
[76] الكشبور .م،س.ص 73
[77] المادة 454 من م.ت
[78] المادة 478 من م.ت:
" إذا توقف السفر بعد الإقلاع ولم يكن هناك اتفاق طبقت القواعد الآتية:
...
3 - إذا توقف السفر بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة تتعلق بوسيلة النقل أو بشخص المسافر، فلا يستحق ثمن النقل إلا بمقدار المسافة المقطوعة ودون تعويض من أي طرف."


[79] الفصل 230 من ق.ل ع.
[80] المادة 396 من م.ت :
"...ينتهي العقد بقوة القانون بفعل القوة القاهرة."

[81] تنص المادة 20 من مدونة التأمينات :
"... لا يمكن الاحتجاج بسقوط الحق الناشئ عن أحد شروط العقد تجاه المؤمن له الذي يثبت استحالة قيامه
بالتصريح داخل الأجل المحدد بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة..."

[82] يعتبر الالتزام بالتصريح بالحادث أحد الالتزامات الملقاة على عاتق المؤمن له إلى جانب الالتزام بالتصريح بالخطر والالتزام بأدا ء القسط.

[83] وقد أورد المشرع المغربي استثناءات على هذا الأجل،وذلك في حالة التأمين من موت الماشية الذي حدد له أجل 48 ساعة وذلك بموجب المادة 57 من مدونة التأمينات،كما ترك أمر تحديد الأجل في التأمينات من السرقة لاتفاق الأطراف،وهذه الآجال ليست من النظام العام،إذ يمكن للأطراف الإتفاق على ما يخالفها لكن في اتجاه إطالتها دون تخفيضها وذلك حماية ل مؤمن له الطرف الضعيف في عقد التأمين.
[84] : arret de chambre commercial du 19 janvier 1951
أشار اليه محمد الكشبور .م.س.ص 76

[85] Arret de 2 ème chambre civile.21 juillet 1982.g.p.1982.p 11
احال اليه محمد الكشبور .م.س.ص 77

[86] :الكشبور.م.س.ص 78
[87] ينص الفصل 335 من ق.ل .ع : " ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية،بغير فعل المدين أو خطإه،وقبل أن يصير في حالة مطل ."
[88] نظم المشرع المغربي أحكام مطل المدين ضمن قانون الالتزامات والعقود في الفصول من 254 إلى 267،وقد عرفه بموجب الفصل 254 بنصه على أمه :
"يكون المدين في حالة مطل،إذا تأخر عن تنفيذ التزامه،كليا أو جزئيا،من غير سبب مقبول."

[89] السنهوري.م.س.ص 740
[90] : أستاذنا عبد الرزاق أيوب ، سلطة القاضي في تعديل التعويض الاتفاقي ، دراسة مقارنة ، سلسلة الدراسات القانونية المعاصرة ، عدد 5 الطبعة الأولى 2003، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ص 10
[91] محمد الكشبور.م.س.ص 88-89
[92] القاعدة العامة في التقادم هي أن تتقادم جميع الدعاوى الناشئة عن الالتزام بمرور 15 سنة كاملة فيما عدا الاستثناءات الواقعة على هذه المدد وفق نصوص خاصة.أنظر الفصل 387 من ق.ل.ع
[93] أسباب قطع التقادم تقضي على المدة السابقة عن السبب وتجعلها كأن لم تكن.
[94] أسباب وقف التقادم توقف سريان مدة التقادم مؤقتا إلى حين زوال السبب،حيث تستمر مدة التقادم أخذا بعين الاعتبار المدة السابقة عن السبب.
[95] ينص الفصل 95 على أنه :" لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي، أو إذا كان الضرر قد نتج عن حادث فجائي أو قوة قاهرة لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه.
وحالة الدفاع الشرعي، هي تلك التي يجبر فيها الشخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه لنفسه أو لماله أو لنفس الغير أو ماله."

[96] مأمون الكزبري،م.س.ص 418
[97] قرار مدني، عدد 207 بتاريخ يونيو 1977،مجموعة قرارات المجلس الأعلى،المادة المدنية 1966-1982.ص.75.76
[98] - حكم عدد 555 بتاريخ 23 /1/2012 صادر عن المحكمة التجارية باكادير( غير منشور)
[99] علي علي سليمان.النظرية العامة للالتزام.مصادر الالتزام في القانون المدني الجزائري.الطبعة الخامسة 2003 .ديوان المطبوعات الجامعية.ص 195
[100] السنهوري.م.س.ص.738
[101] الكشبور.م.س.ص 47
[102] السنهوري.م.س.ص 728-739
[103] الكشبور.م.س.ص 47
[104] الكشبور.من.س.ص 48
[105] الكشبور.م.س.ص 38. الهامش 33
[106] الكشبور.م.س.ص 38
[107] الفصل 399 من ق ل ع.
[108] محمد الكشبور. م س. ص 51.
حسين عامر وعبد الرحيم عامر .م،س.ص 391.

[109] محمد الكشبور. م س. ص 51-52-53.

كيف تحلل نص قانوني‎

بقلم الاستاذ يوسف حنان
باحث بسلك الدكتوراه
محام متمرن بهيئة الدار البيضاء


مقدمة:

إن إجراء أي بحث أو دراسة ميدانية كانت أم نظرية وفي شتى حقول المعرفة عامة، وفي فروع الدراسات القانونية على وجه الخصوص تتطلب معرفة العديد من التقنيات والمهارات والإلمام بخطوات وقواعد منهجية، التي تعتبر المرحلة الأهم في إنجاز البحث العلمي، هذه القواعد والتي من بينها تحليل النص القانوني كآلية يلتجأ إليها الباحث من أجل الإحاطة ما أمكن بفحوى النص واستيعابه وبيان أًصله ومصدره وتحليل لغة كتابته ،وتقنية التحليل هذه ظهرت مند القديم خصوصاً عند فقهاء الشريعة الإسلامية،في تحليلهم للنصوص الدينية، لكن ليس بالمفهوم الحديث الذي يعرفه النص القانوني حاليا.
ولا جدال في أن تقنية تحليل النص القانوني لها أهمية سواء في اكتساب الباحث لتقنيات ومهارات دقيقة تساعده في بحثه وفي استيعابه للنص القانوني حتى يفهمه فهما سليما، ويضعه في الموضع الصحيح ضمن بحثه ،بل وحتى المهني هو بحاجة لهذه التقنية من أجل العمل على تطبيق النص بالشكل السليم.
لذلك هل يمكن القول بأن الإلمام بالخطوات المنهجية لتحليل النص القانوني كفيلة بأن يتم تحليله بالشكل السليم؟
ومن أجل دراسة هذا الموضوع والاجابة على التساؤل أعلاه فإنه ارتأينا إتباع منهج تحليلي وتطبيقي، تحليلي لأهم الخطوات المنهجية المتبعة في تحليل النص كما هي متعارف عليها بين جميع الباحثين في هذا المجال، وتطبيقي من أجل إخضاع نص من النصوص القانونية لهذه الخطوات المنهجية.
وبذلك سنتناول الموضوع وفقا لخطة البحث التالية:

المطلب الأول: الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني.
المطلب الثاني: الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني (الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا).

التصميم:
المطلب الأول: الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني
الفقرة الأولى: مفهوم تحليل النص القانوني
الفقرة الثانية: مراحل تحليل النص القانوني
المطلب الثاني: الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني. (الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا)
الفقرة الأولى: الإطار العام للفصل 149 من ق م م
الفقرة الثانية: تحليل الفصل 149 من ق م م


المطلب الأول:
الجانب النظري في منهجية تحليل النص القانوني


تستند آلية تحليل النص القانوني ، على أسس علمية تقنية، يجب التقيد بها،وهو ما يستدعي تحديد مفهوم هذه الآلية (الفقرة الأولى) قبل المرور إلى تحديد الخطوات المنهجية التي يجب إتباعها في ذلك (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم تحليل النص القانوني

يقصد بتقنية تحليل النص القانوني كآلية منهجية، تفكيك النص وتجزيئه إلى مجموعة العناصر التي يتألف منها، وتحديد أجزائه ومكوناته،رغم أن هناك من يطلق على هذه الآلية معالجة النص القانوني وهناك من يستعمل مصطلح التحليل، لكن رغم ذلك تبقى كلها مصطلحات تصب في نفس المنحى أي شرح وتقييم للنص محل التحليل[1] و بمعنى أكثر دقة يمكن القول بأنه عملية التحليل تقوم على دراسة مفصلة حتى يتمكن المتفحص لذلك النص من استيعابه وتحديد المعنى الذي قصده من كان وراء وضع ذلك النص.
هذا ولا ينبغي الخلط بين تحليل النص والتعليق على النص وتفسير النص.
فعندما نتحدث عن التعليق على النص فإننا نكون بصدد عملية تفسير وتوضيح للموضوع محل ذلك التعليق ويكون ذلك بقدر من الحرية، وبأسلوب شخصي، والذي يخلص فيه المعلق إلى إعطاء فكرة عن الموضوع أو عن ذلك النص، وبالتالي فإن التعليق هو بمثابة فحص انتقادي لمضمون وشكل النص (غالبا ما نجد بعض الاجتهاذات القضائية التي تكون قد أسست لمبدأ معين أو تراجعت عنه هي التي تكون محل تعليق ) .
أما فيما يتعلق بتفسير النص فإنه يعنى به تحديد مضمونه ومعناه من عدة زوايا، ويمكن لأي نص أن يكون محل تفسير سواء كان نصا واضحا وسليما أو كان غامضاً ومعيبا ،وفي هذا الإطار ظهرت العديد من المدارس كمدرسة الشرح على المثون والمدرسة التاريخية أو الاجتماعية...الخ.
لذلك فالذي يظهر أن تحليل النص لا ينحصر فقط في القيام بعملية تحليل اللغة التي كتب بها النص أو أسلوب النص، وتحليل مضمونه بل الأكثر من ذلك ،يجب أن يعمل المحلل على إظهار أصل النص ومصدره[2] وبنيته وشكله، والقيام بمقابلته ومقارنته بنصوص أخرى عامة أو خاصة وطنية أو أجنبية، ويمكن أن يكون كذلك من بين النصوص القانونية الموضوعية أو الإجرائية الشكلية.
علما أن هناك[3] من يتجه إلى القول أن النص الذي يمكن أن يكون محل تحليل لا يكون فقط النص الصادر عن السلطة التشريعية بل يمكن أن يكون مقولة لأحد الفقهاء أو يكون عبارة عن وثيقة علمية أو محاضر لنقاش برلماني، ما دام الهدف حسب هذا الرأي ليس نوعية النص بحد ذاته بل الهدف هو المعرفة القانونية والقدرة على تحليل النص واكتساب المهارة في عرض المعارف في إطار ربطها دائما بالنص موضوع التحليل.
وما دمنا نتحدث عن اكتساب المهارة والمعرفة فهذا يعني أن ذلك الشخص الذي سيقوم بتحليل النص يجب أن يقوم بإضافة كمية معينة من المعلومات لمحتوى النص محل التحليل، ولا يجب الاكتفاء به وحده هذا مع إمكانية ترك النص جانبا، والتحدث أثناء التحليل عن الموضوع العام الذي يناقشه ذلك النص نظراً لارتباطه بالإطار العام الذي جاء فيه .
فعلى سبيل المثال لو كان النص موضوع التحليل هو نص تشريعي وجب تحديد طبيعته والظروف التي كانت وراء وضع ذلك النص والحقبة التي وضع فيها وتاريخ النص وهذا لن يتأتى إلى بالقراءة المتكررة للنص والعمل على احترام الخطوات المنهجية للتحليل.

الفقرة الثانية: الخطوات المنهجية لتحليل النص القانوني

من أجل العمل على تحليل النص القانوني يجب اتباع الخطوات المنهجية المتفق عليها من قبل الدارسين لهذا العلم، فهي أدوات تساعد الباحث في استجلاء ما يحتويه النص القانوني ويعالجه، فلابد من فهم النص، وتحديد مجالات موضوعه (أولا) لتسهيل وضع تصميم متين وتيسير عملية التحليل (ثانيا).

أولا: مرحلة فهم النص القانوني:

تقتضي هذه المرحلة، جمع العديد من المعلومات المتعلقة بالنص القانوني والتي تكون مدخلا له، حيث بدونها لن يستطيع الباحث أن يفهم مضمون النص وتحليله، ويتعلق الأمر ب:
  1. الدراسة الوصفية: فبعد القراءة المتعددة والمتمعنة لنص يتعين على الباحث أن يحدد العناصر التالية:
  • طبيعة النص: هل هو نص مدني أم تجاري، أم جنائي أم موضوعي مسطري ،عام أو خاص وهل هو مجرد مشروع ،مرسوم ،اتفاقية دولية...
  • مصدر النص: ويقصد بها الجهة المصدرة للنص فقد يكون البرلمان أو الحكومة الوزير....
  • تاريخ صدور النص: وذلك لمعرفة ما إذا كان النص جديداً، معدلاً تغييرا لموقف معين ، حتى يشير إليه المحلل عند تحليله.
  • تحديد النص أو الكتاب الذي أخذ منه المصدر الأصلي للنص.
  • استخراج موضوعه المحدد.
  1. الدراسة البنيوية: هنا يتم تقسيم النص والتسطير على الكلمات والمصطلحات أو العبارات المتضمنة فيه ،وتتمثل هذه الدراسة في معرفة:
  • البنية الطباعية أو الطبوغرافية للنص: ويقصد بها بيان عدد الفقرات أو المقاطع التي يتكون منها النص، وهذا يساعد المحلل ويسهل عليه عملية وضع خطة للتحليل. [4]
  • البنية الاصطلاحية: على الباحث أو المحلل أن يقوم بتحديد المصطلحات المعتمدة في النص، وتحديد نوعها، فقد تكون مصطلحات قانونية أو تقنية أو اقتصادية، حتى يعلم من خلالها اللغة المستعملة هل هي لغة سليمة، مترجمة.... ثم استخراج الكلمات المفاتيح، والتي من شأنها أن تسهل على المحلل تحديد مضمون النص بشكل دقيق.
  • البنية الخارجية للنص: فالمعلوم أن النص ليس عنصراً منعزلا، بل هو جزء من كل، ولا يمكن أن نحلله إلا على ضوء محيطه الخارجي، أي بربطه بما قبله أو بما يوازيه أو بما بعده من نصوص أخرى كما يجب البحث في العمل القضائي المنصب حول ذلك النص وبالتالي الاستعانة بتفسيراته الاجتهادية، بالإضافة إلى الآراء الفقهية التي تطرقت لهذا النص، سواء التي استحسنته، أو التي انتقدته.

ثانيا: مرحلة التحليل

يتوقف تحليل النص القانوني على ضرورة احترام التقسيم المتعارف عليه، والذي يبدأ بمقدمة ثم عرض فخاتمة. [5]،

المقدمة:
إذا كانت المقدمة هي الممهدة للعرض والمدخل له، فإنه لا يجب أن تطغى عليه وأن تكون مقتضية ومركزة.
ومن أهم العناصر التي يجب أن تتضمنها المقدمة في تحليل أي نص قانوني نذكر:
  • تقديم الإطار العام الذي يندرج فيه النص: فكل نص قانوني إلا ويتضمن قواعد قانونية، وتحديد هذه الأخيرة يقتضي بيان أحكامه بشكل تدريجي من العام إلى الخاص.
  • ذكر طبيعة النص ومصدره وتاريخه ومكانه.
  • تحديد هل النص آمر أم مكمل، مع التبرير.
  • الإشارة إلى نوع النص هل هو نص عام وهنا لابد من سرد الأحكام العامة التي ينص عليها، أم هو نص خاص، وهنا يتم استعراض أوجه الشبه والاختلاف بينه وبين القواعد العامة. [6]
  • تحديد موضوع النص.
  • ذكر النصوص المماثلة والمشابهة، التي لها نفس الهدف سواء من حيث المسطرة أو من حيث النتيجة المرجوة من النص.
  • إثارة الإشكالية أو الإشكاليات التي يتمحور حولها النص موضوع التحليل.
  • الإعلان عن التصميم: وعادة يؤخذ من بنية النص، وهذا هو المحبذ، ويمكن أن يكون في جزئين أو ثلاثة إذا كان النص مقسما إلى ثلاثة أجزاء مختلفة[7] وإذا كان أكثر من ذلك فإنه يجب على الباحث المحلل أن يبذل قصارى جهده ويجمع أجزاء النص حتى لا يخرج عن ما هو مطلوب.

العرض:
فيه يتم مناقشة كل الأفكار المتضمنة بالنص والمتعلقة به ويعتمد فيه على ما يلي:
  • الاستنتاج عن طريق القياس، أي قياس قاعدة مشابهة خصها المشرع بنص صريح آخر، أو عن طريق إعمال مفهوم المخالفة، أي استعمال المعنى العكسي لفحوى النص أو استعمال مفهوم الموافقة.
  • المقابلة والمقارنة مع كل واقعة منظمة قانوناً، سواء من حيث الشبه أو من حيث الاختلاف[8] أو ذكر قانون مفسر أو رأي فقهي أو اجتهاد قضائي، تماشيا مع كل الأفكار التي تلقاها الباحث أو المحلل و اجتهد في الحصول عليها.
  • ذكر تقييم للموضوع، يتم فيه الحديث حول مدى ملائمة القواعد التي ينص عليها النص موضوع التحليل مع الظروف الواقعية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية...) المصاحبة للنص وانعكاساتها على المجتمع.



الخاتمـــة:
هي عبارة عن استنتاجات وخلاصة لما تم التوصل إليه من خلال موضوع التحليل ويمكن أن تكون:

  • قناعات شخصية
  • مقترحات مقدمة لتعديل أو مراجعة أو إلغاء، أو ترميم النص سواء من حيث الصياغة أو من حيث الأحكام، مع إمكانية طرح صيغة جديدة بديلة.

المطلب الثاني
الجانب التطبيقي في منهجية تحليل النص القانوني
(الفصل 149 من ق.م.م. نموذجا)


إن آلية تحليل النص وعلى الرغم من أهميتها تبقى بدون قيمة إذا لم تنصب على نصوص قانونية تكون بمثابة قالب مناسب لهذه التقنية، لهذا تم اختيار الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية ليكون نموذجا تطبيقياً (الفقرة الثانية)، لكن ذلك لا يمنع من أن نعطي فكرة عامة حول هذا الفصل من أجل تسهيل عملية التحليل (الفقرة الأولى).

الفقرة الأولى: الإطار العام للفصل 149 من ق.م.م

إن الحديث عن الفصل 149 من قانون المسطرة المدنية يستدعي الحديث عن قضاء الأمور المستعجلة[9] ، كفرع من القضاء العادي، حيث عرفه جانب من الفقه[10] بأنه: "فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي وهو ذو مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة، ومصاريف قليلة، يسمح لمدع برفع دعوى استعجالية أمام قاض يعرف بقاضي الأمور المستعجلة، يختص بالبت بصورة مؤقتة ودون المساس بالموضوع في كل نزاع يكتسي صبغة الاستعجال".
.
فمن خلال هذا التعريف والنصوص القانونية المنظمة لهذه المؤسسة القانونية يظهر أن القضاء الإستعجالي يستند على شروط لابد من توافرها، وهي شروط موضوعية وأخرى شكلية.
ففيما يخص الشروط الموضوعية لابد من توفر عنصر الاستعجال[11]، وعدم المساس بالجوهر[12].
وعموما يقوم الاستعجال على عدة مقومات :
  • أن يكون هناك خطر حقيقي يهدد حقا جديرا بالحماية
  • أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه أو مما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة
  • أن يكون الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير المسطرة القضائية العادية
وتنبغي الإشارة أن عنصر الاستعجال مرن يتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، وهو الشرط أساسي لانعقاد الاختصاص للقضاء الاستعجالي . [13]،
أما فيا يخص الشروط الشكلية فمن خلال الفصلين 150 و151 من ق.م.م فإنه لكي يعهد للقضاء الإستعجالي للبت فيما يعرض عليه، لابد من احترام الشكليات والإجراءات المنصوص عليها بحيث يجب على الطالب أن يتقدم بالطلب الإستعجالي ،الى كتابة الضبط وعليه أن يبين اسمه العائلي أو الشخصي ومهنته وموطنه وصفته، وموطن المدعى عليه، كما يجب عليه الإشارة إلى الوقائع المادية ،أو والتصرفات القانونية التي أدت إلى نشوب النزاع.
بعد ذلك يقوم قاضي الأمور المستعجلة باستدعاء الأطراف طبقا للفصول 37، 38، 39، من ق.م.م، أما إذا كانت حالة الاستعجال القصوى فلا يقوم بذلك حسب ما نص عليه الفصل 151 من ق.م.م، وعليه أن يقوم بتعيين اليوم والساعة التي ينظر فيها الطلب الموجه إليه، ويمكن أن يقدم الطلب و يستدعى الأطراف في أيام العطل والآحاد(الفصل 150 ق.م.م).
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه حسب الفصل 149 من ق.م .م فالقاعدة، هي أن رئيس المحكمة الابتدائية هو المختص، وإذا عاقه مانع أسند الاختصاص لأقدم القضاة العاملين بنفس المحكمة،ومنح المشرع لرئيس المحكمة هذه المهمة راجع لما قد يمتاز به من تكوين قضائي وثقافة قانونية شاملة، وإذا كان النزاع معروضاً أمام محكمة الاستئناف فالاختصاص يعود لرئيسها الأول.
هذا وينبغي أن نشير إلى أن الأوامر الإستعجالية تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، ويمكن للقاضي مع ذلك أن يقيد هذا النفاذ بتقديم كفالة بحسب ما نص عليه الفصل 153 من ق.م.م، كما أنها قابلة للطعن بالاستئناف كيفما كانت قيمتها إذا كانت صادرة عن المحكمة الابتدائية هذا مع العلم أن الجهة التي تنظر في نزاع القضاء الإستعجالي هي محكمة الموضوع وليس رئيس المحكمة[14] وأجل الاستئناف هو 15 يوم من تاريخ التبليغ.

الفقرة الثانية: تحليل الفصل 149 من ق.م.م

من خلال هذه الفقرة سنحاول تطبيق ما رأينا سالفا من تقنيات منهجية التي يجب إتباعها في تحليل النص القانوني وذلك بتناول الفصل 149 ق.م.م، من خلال:
  • مقدمة.
  • عرض.
  • خاتمة.

  • مقدمة:
يندرج الفصل 149 في الباب الثاني من القسم الرابع المعنون بالمساطر الخاصة بالاستعجال ومسطرة الأمر بالأداء من قانون المسطرة المدنية الصادر في 28 شتنبر 1974 كما وقع تعديله وتغييره. [15]
وهو نص آمر لا يمكن للأطراف الاتفاق على مخالفته [16] نظراً لتعلقه بالنظام العام، الاجرائي المغربي.
كما تجب الإشارة إلى أنه يعتبر نص خاص بالمقارنة مع النصوص الأخرى والواردة في نفس القانون، ويختلف عنها في العديد من الجوانب نذكر منها أن الطلبات التي تقدم إلى رئيس المحكمة حسب هذا الفصل يمكن أن تقدم في غير أيام وساعات العمل بل وحتى في مقر سكنى رئيس المحكمة، هذا عكس القواعد العامة المنصوص عليها في الفصول من 31 إلى 54 من ق.م.م المتعلقة بتقديم المقال الافتتاحي للدعوى كذلك يمكن أن يبت الرئيس بالصفة المخولة له بمقتضى الفصل 149 حتى قبل تقييد الطلب، وقبل تأدية الرسوم، القضائية.
ويتمحور موضوع الفصل 149[17] حول القضاء الاستعجالي واختصاص رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة كلما توفرت شروط القضاء الاستعجالي، بالبت في كل صعوبة متعلقة بالتنفيذ أو سند قابل للتنفيذ، وسواء كان النزاع معروضاً على المحكمة أم لا.
هذا وإذا قمنا بمقارنة هذا الفصل بنص أخر قريب منه كما تقتضي ذلك الخطوات المنهجية التي مررنا بها أعلاه فإننا نجد الفصل 148[18] من نفس القانون رغم الاختلاف الشاسع بينهما، إلا أنه بتفحص الفصل 149 نجده يحيل على مقتضيات الفصل 148 الشيء الذي يثير العديد من الإشكالات بشأن هذه الإحالة، وبالتالي فهل يمكن القول بأن الفصل 148 يتعلق بالقضاء الإستعجالي بمعنى هل يمكن لرئيس المحكمة البت في الحالات المنصوص عليها في الفصل 148 بصفته قاضيا للأمور المستعجلة؟
العرض:
تناول المشرع المغربي مؤسسة القضاء الإستعجالي من خلال الفصل 149 وما يليه بحيث جاء فيه أن رئيس المحكمة الابتدائية يختص وحده بالبت في الأمور، المستعجلة كلما توفر عنصر الاستعجال ثم بعد ذلك انتقل للحديث عن شرط عدم المساس بالجوهر في الفصل 152 ...
هذا وتنبغي الاشارة أن السرعة المتحدث عنها في القضاء الاستعجالي تختلف عن السرعة المطلوبة باقي القضايا (الفصل 46 من ق م م).
وإذا كانت الأوامر التي سيصدرها الرئيس ستمس بجوهر الحق أو الموضوع فعليه أن يصدر أمراً بعدم الاختصاص، وعنصر الإستعجال يرجع فيه الأمر إلى السلطة التقديرية للقاضي أما عنصر المساس بالجوهر فهو يخضع لرقابة محكمة النقض.
لكن رغم هذا فإن الفصل موضوع التحليل يثير العديد من الإشكالات خصوصا فيما يخص إلا حالة على مقتضيات الفصل 148 ؟ وهل اختصاص كل من الرئيس وأقدم القضاة في الحالات المشار إليها في الفصل 148 تكون بالبت وفقا للفصل 148 أو في إطار الفصل 149 الخاص بالقضاء الإستعجالي؟
فبمقتضى هذه الإحالة قد يبدو أنه لا فرق بين الفصلين ما دام الفصل 149 يحيل على مقتضيات الفصل 148 لكن بالتعمق أكثر في مقتضيات الفصلين يظهر بوضوح الفرق بينهما:
  • الرئيس في إطار الفصل 148 يبث بصفته رئيس المحكمة، أما في إطار الفصل 149 الرئيس يبت بصفته قاضي للأمور المستعجلة.
  • في إطار الفصل 148 الاختصاص واسع للرئيس فقط بشرط عدم المساس بمصالح الأطراف وعدم وجود نص خاص أما في إطار الفصل 149 فالاختصاص مقيد بضرورة توافر عنصري الاستعجال وعدم المساس بالجوهر.
  • في إطار الفصل 148 يتم صدور الأمر بدون احترام الإجراءات العادية، أما في إطار الفصل 149 فلابد من العلنية والتواجهية.
  • في إطار الفصل 148 فقط يكتفي رئيس المحكمة بالتأشير في جميع الحالات أما في إطار الفصل 149 فلابد من احترام الشكليات المتعلقة بصدور الأحكام من تعليل ووقائع ومنطوق.
  • في إطار الفصل 148 التنفيذ يكون بدون تبليغ (عنصر المفاجأة والمباغتة) أما في إطار الفصل 149 ضرورة احترام الفصول 37-38-39 من ق.م.م.
  • الاستئناف في إطار الفصل 148 يكون فقط في حالة الرفض ويحتسب أجل الاستئناف من تاريخ الرفض أي تاريخ صدور الأمر أما في إطار الفصل 149 في جميع الحالات ويحتسب الأجل من تاريخ التبليغ.
هذا فيما يخص علاقة الفصل 149 بالفصل 148 أما فيما يتعلق بمؤسسة القضاء الاستعجالي في بعض النصوص الخاصة نجد كل من المادة 19 من القانون 41.90[19] المتعلق بإحداث المحاكم الادارية والمادة 21 من قانون رقم 53.95[20] المتعلق بإحداث المحاكم التجارية.
بحيث أن المادة 19 من قانون احداث المحاكم الادارية خولت لرئيس المحكمة الادارية البت في بصفته قاضيا للأمور المستعجلة على النحو التالي " يختص رئيس المحكمة الادارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية"
وعلاقة هذا النص بالفصل 149 هي أن هذا الأخير هو نص عام والأخر خاص رغم الاختلاف الظاهر بينهما عل مستوى الصياغة وحتى على مستوى العمومية والاجمال التي جاءت بها المادة 19 من قانون احداث المحاكم الادارية ، ذلك أنه و إن كانت هذه الأخيرة تتعلق حصرا بالمنازعات النوعية التي تبت فيها المحاكم الادارية إلا أنه يظهر أنها لا تنحصر فقط بمعالجة الاختصاصات الموكولة لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة بل تشمل حتى الأوامر التي يبت فيها بصفته تلك ،ذلك أن المادة أعلاه نصت على أن رئيس المحكمة الادارية يختص بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات من جهة والأوامر القضائية من جهة أخرى، بمعنى أكثر دقة أن المادة 19 جمعت الاختصاصات المخولة لرئيس المحكمة الابتدائية في إطار الفصلين 148 و149 رغم أن قانون احداث المحاكم الادارية يحيل على قانون المسطرة المدنية هذا الأخير الذي يعتبر الشريعة العامة للقوانين الاجرائية في التشريع المغربي.
أما فيما يخص المادة 21 من قانون احداث المحاكم التجارية فقد أوكلت لرئيس المحكمة التجارية البت بصفته قاضيا للمستعجلات بحيث جاء في الفقرة الأولى أنه " يمكن لرئيس المحكمة التجارية بصفته قاضيا لللأمور المستعجلة وفي حدود اختصاص المحكمة أن يأمر بكل التدابير التحفظية التي لا تمس أية منازعة جدية .
اذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف التجارية مارس هذه المهام رئيسها الأول .
يمكن لرئيس المحكمة التجارية ضمن نفس النطاق –رغم وجود منازعة جدية – أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع"
فالملاحظ من خلال هذا النص بالمقارنة الأولية مع الفصل 149 أنه يتحدث عن التدابير التحفظية التي لا تمس أية منازعة جدية عكس الفصل 149 الذي عدد بعض الأمثلة : كالصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند ابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية ثم أي اجراء أخر تحفظي.
زد على ذلك أن المادة 21 استعملت عبارة عدم وجود المنازعة الجدية والفصل 149 يستعمل عبارة عدم المساس بالجوهر كشرط من أجل انعقاد الاختصاص لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة.
إلا أن ما يميز المادة 21 أعلاه عن الفصل موضوع التحليل أنها سمحت لرئيس المحكمة استتناءا ورغم وجود منازعة جدية أن يبت بصفته قاضيا للأمور المستعجلة أن أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع وهو ما يشكل خروجا عن الشروط العامة للقضاء الاستعجالي إلا أنه موقف نراه يلائم القضاء التجاري باعتباره يشكل عنصر فعال في معادلة وتوازن المقاولات المغربية كركائز للاقتصاد الوطني. [21]

هذا ولا يفوتني أن أشير الى أن المشرع المغربي قد أزاح غطاء النسيان عن قانون المسطرة المدنية وهو حاليا بصدد مناقشة مشروع قانون من أجل نسخ أحكام ظهير 1974 لذلك ينبغي أن نرى كيف تناول هذا المشروع مؤسسة القضاء الاستعجالي ؟
بالعودة الى نص المشروع يظهر أنه تناول القضاء الاستعجالي في المادة [22]183 ومن خلال القراءة الأولية لهذا النص يتضح أنه جاء مختلفا عن النص الحالي أي الفصل 149 بمايلي :
  • أنه ثم حذف الإحالة على مقتضيات الفصل 148 والتي كنا نراها تخلق العديد من الإشكالات.
  • أن المشروع قد حدا حذو قانون إحداث المحاكم التجارية بأن فتح المجال لرئيس المحكم الابتدائية ورغم وجود منازعة جدية أن يبث بصفته قاضيا للأمور المستعجلة من خلال الأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غير مشروع.
  • ثم حذف عبارة "الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ"
  • الإحالة على قضاء الموضوع في الحالة التي تستوجب ذلك من قبل الرئيس داخل أجل يحدده تحت طائلة اعتبار الأمر كأن لم يكن.
  • الاستئناف يبت فيه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للأمور المستعجلة. [23]

خاتمة التحليل:

ومن خلال كل ما سبق يظهر أن الفصل 148 لا علاقة له بالقضاء الإستعجالي ، إلا فيما يخص الإحالة التي كانت تخلق اشكالا وأن المشروع الحالي أحسن صنعا بحدفها لأن ذلك سيضع حداً للتحايل الناشئ عن الخلط الواقع بسبب الاحالة رغم هذا فيخطئ من يظن أني بتحليلي هذا أصفق للمشروع الحالي ككل.

خاتمة:

وختاما فصفوة القول أن الباحث كلما استند على هذه الخطوات المنهجية في تحليله للنص القانوني، كلما تمكن من استيعابه وإظهار محتوياته وما يثيره من إشكالات وبالتالي الوصول إلى اجتهاد قد يظهر عيوب النص التشريعي التي تؤدي في كثير من الحالات الى ضياع حقوق المتقاضين.

لائحة المراجع:

المراجع العامة:
الكتب:
  • عبد الكريم الطالب، "الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية" المطبعة والوراقة الوطنية – مراكش – الطبعة الخامسة 2009.
  • عبد اللطيف هداية الله، القضاء الإستعجالي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998.

المراجع الخاصة:
الكتب:
  • محمد العروصي، "المختصر في المنهجية القانونية" شركة الخطاب للطباعة مكناس، الطبعة الأولى 2009.
  • ذ حسن الرميلي، "مؤسسة الرئيسي" المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 1999.
المجــــلات:
  • مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 35-36، 1986.
المواقع الإلكترونية:
  • الشريف الغيوبي- ادريس جردان: "منهجية تحليل النصوص القانونية والتعليق على القرارات والأحكام القضائية- الطبعة الأولى 2006. منشورات المجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونية. www.droitplus.net



[1] - محمد العروصي، "المختصر في المنهجية القانونية" شركة الخطاب للطباعة مكناس، الطبعة الأولى 2009 ص63.
[2] - محمد العروصي، م س، ص64.
[3] - الشريف الغيوبي، ادريس جردان، "منهجية تحليل النصوص القانونية التعليق على القرارات والأحكام القضائية منشور بالمجلة الإلكترونية للدراسات والأبحاث القانونية www.droitpkus.net الطبعة الأولى 2006 ص13-14.
[4] - محمد العروصي، م. س، ص65.
[5] - هنا التقسيم يختلف عن المنهجية المتعارف عليها في مجال الدراسات القانونية أي التقسيم الثنائي حسب المدرسة الكلاسيكية.
[6] - ذ حسن الرميلي، مؤسسة الرئيسي المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الأولى 199، ص100.
[7] - الشريف الغيوبي، ادريس جردان، م. س، ص18.
[8] - محمد العروصي، م. س، ص68.
[9] - هناك جانب من الفقه يذهب الى القول أن القضاء الاستعجالي اكتشاف حديث نسبيا، بحيث يرجعه الفقهاء الأوروبيون من جهة إلى اجتهادات باريز في أواخر القرن السابع عشر و الفقه الفرنسي من جهة ثانية يربطه بالأمر المؤرخ في 22 يناير 1965 غير أن الامام الماوردي ( 991- 1031) تطرق للفكرة قبل ستة قرون ونصف في كتابه أدب الماضي.
[10] - عبد اللطيف هداية الله، القضاء الإستعجالي في القانون المغربي، مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 1998، ص12.
[11] - يقصد بعنصر الاستعجال "الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه، والذي يلزم درؤه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي ولو قصرت مواعيده". عبد الكريم الطالب، الشرح العلمي لقانون المسطرة المدنية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، الطبعة الخامسة، أبريل 2009، ص102.
[12] - يقصد بعدم المساس بالجوهر: "ألا ينظر قاضي الأمور المستعجلة في موضوع الدعوى ولا في أصل الحق، على أن هذا لا يمنع من أن يتفحص موضوع الدعوى بشكل عرضي وبالقدر الذي يكفي لتكوين قناعته عبد الكريم الطالب، م. س، ص107.
[13] -القضاء الاستعجالي شبيه ببعض الأعمال التي تقوم بها بعض الجهات التي تقوم على السرعة كقوات التدخل السريع أو أقسام الاسعافات الأولية في المراكز الصحية .
[14] - هذا ما أكده قرار محكمة النقض، عدد 1749، بتاريخ 3 أكتوبر 1984) منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد 35-36، 1986، ص80.
[15] - ظهير شريف بمتابة قانون رقم 1.74.447 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 هجرية موافق ل 28 شتنبر 1974 المنشور بالجريدة الرسمية عدد 3230 مكرر بتاريخ 13 رمضان الموافق ل 30شتنبر 1974 الصفحة 2741.
[16] - .................................................. ....................................
[17] - ينص الفصل 149 على أنه "يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبث بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الإستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية، أو أي إجراء أخر تحفظي، سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا، بالإضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجلات.
- إذا عاق الرئيس مانع قانوني، أسندت مهام قاضي المستعجلات إلى أقدم القضاة.
- إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاسيناف مارس هذه المهام رئيسها الأول.
- تعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس.
[18] - ينص الفصل 148 على أنه " يختص رؤساء المحاكم الابتدائية وحدهم بالبت في كل مقال يستهدف الحصول على أمر بإثبات حال أو توجيه إنذار أو أي إجراء مستعجل في أية مادة لم يرد بشأنها نص خاص ولا يضر بحقوق الأطراف. ويصدرون الأمر في غيبة الأطراف دون حضور كاتب الضبط بشرط الرجوع إليهم في حالة وجود أي صعوبة.
يكون الأمر في حالة الرفض قابلا للاستئناف داخل خمسة عشر يوما من يوم النطق به عدا إذا تعلق الأمر بإثبات حال أو توجيه إنذار. ويرفع هذا الاستئناف أمام المحكمة الاستئناف.
إذا عاق الرئيس مانع ناب عنه أقدم القضاة.
يقوم عون كتابة الضبط المكلف بإنذار أو بإثبات حالة بتحرير محضر يثبت فبه اختصار أقوال وملاحظات المدعي عليه الاحتمالي أو ممثلة ويمكن تبليغ هذا المحضر بناء على طلب الطرف الملتمس للإجراء إلى كل من يعنيه الأمر، ولهذا الأخير أن يطلب في جميع الأحوال نسخة من المحضر.
إذ لم يكن القيام بالمعاينة المطلوبة مفيدا إلا بواسطة رجل فني أمكن للقاضي تعيين خبير للقيام بذلك.


[19] - القانون 41.90 المحثة بموجبه المحاكم الادارية كما وقع تعديله وتتميمه المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 الموافق ل 3 نوفمبر 1993 الصفحة 2168.
[20] - القانون رقم 53.95 كما ثم تعديله وتتميمه المحدثة بموجبه المحاكم التجارية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 في شوال 1471 هجرية موافق ل 12 فبراير 1997 والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 8 محرم 1418 الموافق ل 15 ماي 1997 الصفحة 1141.


[21] - علما أن المادة 20 من نفس القانون خولت لرئيس المحكمة التجارية الاختصاصات الممنوحة لرئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية ثم الاختصاصات المسندة اليه في المادة التجارية وهو ماقد يوحي بأن صلاحيات رئيس المحكمة التجارية هي أوسع وأشمل من رئيس المحكمة الابتدائية على الرغم من كون أن المادة المدنية هي الأصل والمبدأ عكس المادة التجارية وأن علاقة هذه الأخيرة بالمادة المدنية هي علاقة ارتكاز إلا أنه بتصفحنا لواقع التشريع ليس فقط بالمغرب بل حتى على مستوى القانون المقارن يظهر وبشكل جلي أن قواعد القانون التجاري -أو قانون الأعمال على اعتبار أن المفهوم الأخير هو أوسع وأرحب من مفهوم القانون التجاري- تتوسع يوما بعد يوم على حساب قواعد القانون المدني التي طالها الجمود بل وأصبحت بعض قواعد القانون المدني تصطبغ بصبغة قواعد القانون التجاري : قانون الشركات .حرية الأسعار والمنافسة .حماية المستهلك .قانون البورصة ،القانون البنكي، الملكية الصناعية والقائمة تطول: بل هناك من يتجه الى القول أنه مستقبلا ستصبح قواعد القانون التجاري هي المبدأ وقواعد القانون المدني هي الاستتناء أو هي النص الخاص وهذا في رأينا يظهر وبشكل جلي نواقص وقصور الرأي القائل حاليا بحدف المحاكم التجارية لأن ذلك سيشكل تراجعا على مستوى تأهيل قضاء الأعمال وتراجعا عما كدسه هذا الصنف من القضاء على الساحة المغربية من تجربة واجتهاد ولنا في ذلك مثل وهو التجربة الفرنسية التي ظلت تتردد ردحا من الزمن بين حدف القضاء التجاري والابقاء عليه...
[22] - جاء في المادة 183 من المشروع "يختص رئيس محكمة الدرجة الأولى أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للأمور المستعجة بالبت في الحراسة القضائية أو في أي اجراء وقتي أو تحفظي شريطة أن يتوفر عنصر الاستعجال وأن لا يمس بما يمكن أن يقضى به في الموضوع سواء كان النزاع قد أحيل الى المحكمة أم لا.
يمكن لرئيس المحكمة ضمن نفس النطاق –رغم وجود منازعة جدية _أن يأمر بكل التدابير التحفظية أو بإرجاع الحالة الى ما كانت عليه لدرء ضرر حال أو لوضع حد لاضطراب ثبت جليا أنه غبر مشروع .
غير أنه اذا كان الأمر يستوجب رفع دعوى في الموضوع حدد قاضي الأمور المستعجلة أجلا لطالب الاجراء للقيام بذلك تحث طائلة اعتبار الأمر الصادر كأن لم يكن .
[23] - وفي هذا الصدد نشير على أن العمل القضائي المغربي في جانب كبير منه دأب على أن يفصل في استئناف الأوامر الصادرة في إطار الفصل 148 من قانون المسطرة المدنية والقاضية برفض الطلب بتركيبة جماعية وفي إطار مسطرة تواجهية وحضورية وهو أمر نراه حسب وجهة نظرنا بأنه لايتلائم وروح مسطرة الأوامر المبنية على طلب والقائمة على عنصلا المباغتة والمفاجأة إذ لو كان طالب الاجراء يريد التقاضي في إطار التواجهية لرفع الطلب في إطار الفصل 149 وهو الشيئ الذي تفطن اليه المشروع الحالي بأن نص على أن الامر الصادر في اطار الاوامر المبنية على طلب في حالة الرفض يكون قابلا للاستءناف ويبت فيه الرئيس الأول أو من ينوب عنه في غيبة الأطراف داخل أجل 15 يوما ويكون القرار غير قابل لأي طعن.(المادة 181 من المشروع)


توصل بمواضيعنا على ايميلك
الى الأعلى